كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 24)

فلا يجتمعن إليك أحد ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها فاذهب حيث شئت من أرض الله".
واختفى الإمام أحمد قال إبراهيم بن هاني اختفى أحمد بن حنبل عندي ثلاثة أيام ثم قال اطلب لي موضعًا قلت لا آمن عليك قال افعل فطلبت له موضعًا فلما خرج قال لي اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول.
وظل الإمام أحمد على هذا الحال حتى توفي الواثق وولي المتوكل، فأنهى تلك المأساة ووضع ختامها بعد أن ثبت فشلها وكتب المتوكل إلى إسحق بن إبراهيم يرفع الحظر على الإمام أحمد وإكرامه. وأرسل إليه كتابًا ومعه بدرة وقال للإمام أحمد إنه قد صح عند أمير المؤمنين براءة ساحتك وقد وجه إليك بهذا المال تستعين به فأبى أن يقبله وقال ما لي إليه حاجة فقال يا أبا عبد الله اقبل من أمير المؤمنين ما أمرك به فإن هذا خير لك عنده فاقبل ولا ترده فإنك إن رددته خفت أن يظن بك سوءًا فحينئذٍ قبلها، ولكنه لم يستطع النوم، فلما كان السحر أرسل إلى بعض أصحابه ووجههم توزيع المال على من يعلمون من أهل الستر والصلاح ببغداد والكوفة ففرقوها كلها فما بقي في الكيس درهم ثم تصدق بالكيس نفسه على مسكين.
والحقيقة أن ولاية المتوكل وإن أنهت فصل الاضطهاد في تلك المأساة إلا أنها فتحت فصلًا آخر هو فصل الاصطناع فقد حاول المتوكل بكل طريقة أن يجتذب إليه الإمام أحمد ويجعله من خلصائه ورفض الإمام أحمد ذلك، بل رفض أن ينال من أحمد بن أبي داود أو يذكره بشيء مع أنه الذي تولى كبر هذه الفتنة وشهد على الإمام أحمد أنه "أشرك من غير وجه" وأجبره المتوكل على الذهاب إليه واضطر الإمام لأن يذهب ولكنه لم يقبل ضيافة المتوكل، فلم ينزل في الدار التي أعدها له، ولم يأكل من المائدة التي رتبها له، بل لقد أمرضه هذا كله، واحتج بهذا المرض في رفض الأكل والشراب واللقاء ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده فقال عبيد الله بن يحيى بن خافان فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك قال هم مستغنون فردها عليه فأخذها عبيد الله فقسمها على أهله وولده ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر فبعث إليه الإمام أحمد أنهم في كفاية وليست بهم حاجة فبعث إليه المتوكل إن هذا لولدك ما لك ولهذا فأمسك.

الصفحة 226