كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 24)

بالله تعالى وأنه وحده الخالق القادر القاهر فوق عباده، وأن من دونه لا يملكون لأنفسهم، أو لغيرهم شيئًا ومن هذا الإيمان استمد شجاعته وثباته أمام كل القوى الباطشة أو المغريات الدنيوية. ومنها الاقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث أصبحت منهجه في حياته وسلوكه وأكله وشربه ولبسه وأدبه فقد تشرب السنة واصطبغ بها، ومنها الانصراف عن زخرف الحياة ومتاعها والرضا بالكفاف والابتعاد عن كل ما يضيع الوقت أو يشغل النفس عن العلم والحديث.
وأخيرًا ما وهبه الله من توفيق أعانه على أن يلزم نفسه هذا الطريق، ويأخذها بما يتطلبه من زهد، وينأى بها عن سفساف الأمور. قال الشافعي خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلًا أفضل، ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل وقال عبد الرزاق ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل ولا أورع وقال الزعفراني ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي وقال محمد بن إبراهيم البوشنجبي ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل ولا أعقل.
بهذه الصفات كان أحمد بن حنبل رجلًا عالمًا زاهدًا، ورعًا قويًّا، من الذين تزيدهم العبادة قوة وهمة فخرج على الناس بهذا الكتاب الجامع "المسند" ليكون للناس إمامًا.
رحم الله أبا عبد الله رحمة واسعة وأثابه بما قدم من خلق رفيع وعلم غزير تقبس منه الأجيال جيلًا بعد جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

الصفحة 231