كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

قَرَابَةَ الْأُمِّ فَمَنْ خَصَّهَا بِقَرَابَةِ الْأَبِ يَجْعَلُ هَذَا بِقَرِينَةِ الْإِطْلَاقِ وَلَا يُنْكِرُ مَعْنَى الْقَرَابَةِ فِيهَا، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ بِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْوَقْفِ إلَى الْأَلْفَاظِ وَالْمَرْجِعَ فِي النِّكَاحِ إلَى الْمَعْنَى، وَالْعُصُوبَةُ مَعْنَى الْقَرَابَةِ فَإِنْ قُلْت هَبْ أَنَّ مَشْهُورَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ اتَّفَقَتْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَا يُخَالِفُهُ أَمَا لِلْفَقِيهِ أَنْ يُخْرِجَ خِلَافًا مُسْتَنْبَطًا مِنْ مُسَاوَاةِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّقِيقِ. قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ يَمْنَعُ التَّخْرِيجَ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ التَّخْرِيجِ يَكُونُ قَوْلًا ضَعِيفًا.

فَإِنْ قُلْت إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ لَمْ لَا يَنْفُذُ.
قُلْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارُ» فَمَتَى أَقْدَمَ الْقَاضِي عَلَى حُكْمٍ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُهُ كَانَ حَاكِمًا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَقَاضِيًا بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ فَلَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتَقِدَ أَنَّهُ الْحَقُّ. فَإِنْ قُلْت هَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَمَّا الْمُقَلِّدُ فَمَتَى قَلَّدَ وَجْهًا جَازَ ضَعِيفًا كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ قَوِيًّا.
قُلْت ذَاكَ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَمَّا فِي الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
فَإِنْ قُلْت إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الْقَوْلَانِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ كَمَا إذَا اسْتَوَتْ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ أَمَارَتَانِ يَتَخَيَّرُ عَلَى قَوْلٍ.
قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ بِتَعَارُضِ الْأَمَارَتَيْنِ قَدْ يَحْصُلُ حُكْمُ التَّخْيِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا أَقْوَالُ الْإِمَامِ كَالشَّافِعِيِّ مَثَلًا إذَا تَعَارَضَتْ وَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا تَرْجِيحٌ وَلَا تَارِيخٌ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مَذْهَبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفُ إلَى ظُهُورِ التَّرْجِيحِ.
فَإِنْ قُلْتَ لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ.
قُلْتُ مَتَى كَانَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ وَرَجَّحَ قَوْلًا مَنْقُولًا بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَذْهَبِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ.
قُلْتُ حِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا اتِّبَاعُ الَّذِي عَرَفَ تَرْجِيحَهُ فِي الْمَذْهَبِ.
فَإِنْ قُلْتَ فَلَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ.
قُلْت إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ جَازَ وَإِنْ شُرِطَ عَلَيْهِ إمَّا بِاللَّفْظِ وَإِمَّا بِالْعُرْفِ وَإِمَّا بِأَنْ يَقُولَ وَلَّيْتُك الْحُكْمَ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ التَّقَالِيدِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحُكْمُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ لَا تَشْمَلُهُ فَإِنْ صُحِّحَتْ اقْتَصَرَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَإِنْ فَسَدَتْ امْتَنَعَ الْحُكْمُ مُطْلَقًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ هَلْ تَفْسُدُ التَّوْلِيَةُ أَوْ تَصِحُّ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ أَوْ تَصِحُّ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ، وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهِدِ أَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا وَالنَّاسُ الْيَوْمَ مُقَلِّدُونَ فَلَا يَأْتِي هَذَا الْقَوْلُ فِيهِمْ، وَاَلَّذِي أَقُولُهُ فِي

الصفحة 12