كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ وَالْوَاقِفُ قَدْ قَصَدَ مَعْنًى يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ فِي أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا نُفَوِّتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهَذَا الْمَعْنَى مُطَّرِدٌ إذَا مَاتَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ الْمُنْفَرِدُ الَّذِي كَانَ حِينَ الْوَقْفِ سَوَاءٌ أَوَلِيَ بَعْدَهُ أَحَدٌ أَمْ تَعَطَّلَتْ الْبَلْدَةُ مُدَّةً وَسَوَاءٌ أَوَلِيَ بَعْدَهُ جَمَاعَةٌ أَحَدُهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِ مُتَرَتِّبِينَ أَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا لِلْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَسَوَاءٌ أَوَلِيَ بَعْدَهُ جَمَاعَةٌ أَمْ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبِهِ بِلَا إشْكَالٍ، وَعَلَى غَيْرِ مَذْهَبِهِ فِيهِ نَظَرٌ عِنْدَنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ النَّظَرُ لِانْفِرَادِهِ وَالْوَاقِفُ إنَّمَا قَصَدَ حَاكِمًا يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَهَذَا حَاكِمٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا نَظَرَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الشَّخْصَ فَقَدْ يَقْصِدُ الْمَعْنَى الْمُسْتَمِرَّ فِي الْأَشْخَاصِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَالْعَهْدُ لَا يَقْتَضِي إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعَهْدِ الشَّخْصُ خَرَجْنَا عَنْهُ لِعَدَمِ الْغَرَضِ فِيهِ.
يَبْقَى بَعْدَهُ أَمْرَانِ كُلِّيَّانِ أَحَدُهُمَا مُطْلَقُ الْحَاكِمِ؛ وَالثَّانِي الْحَاكِمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمَوْجُودِ فَالِاحْتِيَاطُ وَالْعَهْدُ يَقْتَضِيَانِ الْحَمْلَ.
عَلَيْهِ وَهِيَ الرُّتْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ الْأَعَمِّ وَالشَّخْصِ الْأَخَصِّ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْوَاقِعُ عِنْدَنَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فِي اخْتِصَاصِ الْقَاضِي الَّذِي مِنْ مَذْهَبِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَقْفِ بِالنَّظَرِ لِمَأْخَذٍ زَائِدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى الْمَأْخَذِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ مُضَافٌ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْقُضَاةَ الْأَرْبَعَةَ حَدَثَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَالْأَوْقَافُ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ وَمِنْ صَلَاحِ الدِّينِ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهَا وَالْقَاضِي وَاحِدٌ فَالنَّظَرُ لَهُ بِالشَّرْطِ وَبِالْعُمُومِ وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُعْزَلْ ذَلِكَ الْقَاضِي وَلَمْ يَمُتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ بَلْ وَلِيَ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ فَنَظَرُهُ مُسْتَمِرٌّ بِالشَّرْطِ فِيمَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ أَنَّهُ لِلْحَاكِمِ وَبِالْعُمُومِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ النَّظَرُ لَهُ وَلَمْ يُوَلَّ أَحَدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَكَانَهُ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّذِي إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ مَكَانَهُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ بَلْ هُنَا أُضِيفَ إلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَظَرَهُمْ عَامًّا بَلْ فِيمَا عَدَا الْأَوْقَافَ وَالْأَيْتَامَ وَالنُّوَّابَ وَبَيْتَ الْمَالِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فُعِلَتْ مُخْتَصَّةً بِالشَّافِعِيِّ وَيَشْتَرِكُونَ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْأَرْبَعَةَ، هَذَا الَّذِي اتَّفَقَ الْحَالُ عَلَيْهِ وَرُسِمَ بِهِ فِي الدَّوْلَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَاسْتَمَرَّتْ الْعَادَةُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ يَمُوتُ يَلِي مَكَانَهُ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَيَذْكُرُ فِي تَوْلِيَتِهِ أَنَّهُ عَلَى عَادَةِ مَنْ قَبْلَهُ، وَمُقْتَضَى الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَهُ لِلَّذِي عَلَى مَذْهَبِهِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَنْظَارِ الَّتِي كَانَتْ لِلشَّافِعِيِّ لَا بِالشَّرْعِ وَلَا بِتَوْلِيَةِ السُّلْطَانِ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَالُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى هَذَا إلَى الْآنِ فَالْحُكْمُ فِي الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ كُلِّهَا عَلَى

الصفحة 23