كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ بِالْقَرَابَتَيْنِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ؛ وَذَكَرُوا فِي جَدَّتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ وَالْأُخْرَى مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ هَلْ تَفْضُلُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؟
وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَفْضُلُ بَلْ يُقْسَمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي يُقْسَمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِذَاتِ الْجِهَتَيْنِ ثُلُثَاهُ وَلِذَاتِ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ الثُّلُثُ وَلَوْ كَانَ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ فَلَا أَثَرَ لِبُنُوَّةِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهَا مَحْجُوبَةٌ بِالْبُنُوَّةِ فَلَوْ اتَّفَقَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى الْأَقْرَبِ هَلْ يُقَدَّمُ بِهِ أَنْ نَقُولَ لِقُوَّةِ الْبُنُوَّةِ لَا أَثَرَ لِبُنُوَّةِ الْعَمِّ.
ذَكَرْت فِيهِ احْتِمَالَيْنِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَأَنَا الْآنَ أَخْتَارُ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْجَدَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَجْهَيْنِ وَاقْتِضَاءُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي إرْثِهَا كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّا إنْ قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حُوَيْوِيَةَ قَدَّمْنَا ذَاتَ الْقَرَابَتَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ شَرَّكْنَا بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ لَكِنَّ التَّوْرِيثَ بِاسْمِ الْجُدُودَةِ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِيهَا وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ أَيُّهُمْ جَمَعَ قَرَابَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ كَانَ أَقْرَبَ مِمَّنْ انْفَرَدَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ.
وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَشْمَلُ الْإِخْوَةَ وَالْأَعْمَامَ وَبَنِيهِمْ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُسْتَفْتَى فِيهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «لِمَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَتِهِ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» فَجَعَلَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَأَعْطَى مِنْهَا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَلَمْ يُعْطِ أَنَسًا مِنْهَا شَيْئًا وَثَلَاثَتُهُمْ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مِنْ الْخَزْرَجِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الْأَقْرَبِينَ " وَدَلَالَةُ أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْقَرَائِبِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْطِ أَنَسًا؛ لِأَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنَمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَأُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمِ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنِ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيِّدْ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فَيَجْمَعُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسٌ فِي تَاسِعٍ مِنْ جِهَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ عَاشِرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَسٍ وَهُوَ النَّجَّارُ فَأَنَسٌ أَنْزَلُ دَرَجَةً مِنْ أَبِي طَلْحَةَ مَعَ بُعْدِهِ عَنْهُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِهِمَا مِنْ الْخَزْرَجِ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ

الصفحة 27