كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجَوُّزٌ لَطِيفٌ أَوْ جَمْعٌ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَقَدْ دَلَّ دَلِيلٌ هُنَا عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ الْوَاقِفِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَتَعْلِيلًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ.
وَسَنُبَيِّنُ بِمَجْمُوعِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي نَذْكُرُهَا أَنَّ سُلُوكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَلَكْنَاهَا أَقَلُّ مُخَالَفَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ " عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ " إنَّمَا هُوَ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ " ثُمَّ " مِنْ التَّرْتِيبِ وَفَاخِرَةُ مِنْ أَوْلَادِهِ لَا مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَلَا يَكُونُ الشَّرْطُ مُرَادًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِأَنَّا نُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا الْآنَ فِي لَطِيفَةَ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى جِهَةِ الْحَالِ يَتَعَلَّقُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ مِنْ مَعْنَى التَّرْتِيبِ أَوْ بِالْعَامِلِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَيَعُودُ إلَى مَعْنَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي تَرْتِيبِ كُلِّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ وَتَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَقَدْ دَلَّ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الدَّلِيلِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) أَنَّ قَوْلَهُ " لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْعَالِيَ " إذَا سُلِّمَ عُمُومُهُ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِمَا صَرَّحَ بِهِ الْوَاقِفُ فِي أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَوْلَادِ وَلَدِهِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاتِهِ فَضَعُفَتْ دَلَالَةُ الْعَامِّ بِالتَّخْصِيصِ وَصَارَ عُرْضَةً لَأَنْ يُخَصَّ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالتَّخْصِيصُ وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ إلَّا أَنَّ التَّخْصِيصَ هُنَا فِي مَحَلَّيْنِ وَالْمَجَازُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَكَانَ أَوْلَى لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَمَقْصُودُ كَلَامِ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا فِي تَعْمِيمِ النَّفْعِ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُشَارَكَةَ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الِاشْتِرَاكُ فِي الِاعْتِبَارِ كَاشْتِرَاكِ مَالِكَيْ الْعَبْدِ فِيهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْهُ وَلَا حَقَّ لِلْآخَرِ؛ وَالثَّانِي الِاشْتِرَاكُ فِي الْحُقُوقِ كَالشَّفِيعَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ جَمِيعَ الشِّقْصِ فَإِنْ اجْتَمَعَا ازْدَحَمَا عَلَيْهِ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا أَخَذَهُ كُلَّهُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَوْقَافِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَفَ دَارًا عَلَى وَلَدَيْهِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ الْغَلَّةُ إلَى مَنْ بَقِيَ وَإِنَّمَا يَزْدَحِمَانِ عِنْدَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهَذِهِ هِيَ حَقِيقَةُ الشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا تُطْلَقُ الشَّرِكَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ، وَمَتَى أَمْكَنَ الْمَعْنَيَانِ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْوَاقِفِ " لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْبَطْنَ الْعَالِيَ " مَعْنَاهُ لَا يَكُونَانِ مُسْتَحِقَّيْنِ لَهُ عَلَى التَّشْرِيكِ كَمَا فِي وَقْفِ التَّشْرِيكِ الَّذِي قَصَدَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ قَوْلِ الْوَاقِفِ " وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي " فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْبَطْنَيْنِ يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ فَنَفَى الْوَاقِفُ هَذَا، وَهَذَا النَّفْيُ حَاصِلٌ بِحَجْبِ كُلِّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ فَقَطْ أَمَّا إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُ كُلٍّ بِمَوْتِهِ لِفَرْعِهِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْفَرْعَ قَدْ

الصفحة 32