كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

آخِرُ كَلَامِ الْوَاقِفِ فِيمَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِذَا عُرِفَ قَصْدُ الْوَاقِفِ فِي صِلَةِ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ فَفِي مَنْ مَاتَ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ أَوْلَى.
وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَحْوَى الْكَلَامِ وَالسِّيَاقِ الْمُرْشِدِ إلَى الْمُرَادِ وَذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ فِي كُلِّ كَلَامٍ فَقَدْ بَانَ بِأَوَّلِ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَمَقَاصِدُ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا وَقَوَاعِدُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ انْتِقَالُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ بِمَوْتِهِ إلَى وَلَدِهِ وَأَنَّ هَذَا رَاجِحٌ رُجْحَانًا قَوِيًّا عَلَى تَخْصِيصِ الْأَعْلَى فَجَمِيعُ الْوَقْفِ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ السَّافِلُ الْبَطْنَ الْعَالِيَ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ أَوْلَى بَلْ إذَا تُؤُمِّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوُجُوهِ الْعَشَرَةِ طَاحَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ بِالْأَعْلَى الْمُسْتَنَدِ الْمُجَرَّدِ إلَى تِلْكَ اللَّفْظَةِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا وَزْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) مِنْ حَلَبَ فِي رَجُلٍ وَقَفَ مَدْرَسَةً وَقْفًا شَرْعِيًّا وَفَوَّضَ النَّظَرَ إلَى يُوسُفَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ إلَى جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ مِنْ قَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَخْرُجُ النَّظَرُ عَنْهُمْ مَا دَامَ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَكَذَلِكَ التَّدْرِيسُ لَا يُعْدَلُ بِهِ إلَى سِوَاهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ وَالتَّدْرِيسِ فُوِّضَ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَإِلَى مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَمَتَى عَادَ أَوْ نَشَأَ لَهُمْ أَوْ مِنْ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلنَّظَرِ أَوْ التَّدْرِيسِ أُعِيدَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَشَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَرِّسُ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ فَمَنْ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَيْثُ صَارَ أَهْلًا لَأَنْ يَعْمَلَ بِفُتْيَاهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّ الَّذِي يُوَلِّي الْمُدَرِّسَ هُوَ النَّاظِرُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْقَبِيلَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهِمْ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ أَحَدٌ أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَلِّيَ مُدَرِّسًا مِنْ غَيْرِ الْقَبِيلَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَيَكُونُ غَرِيبًا إذَا وُجِدَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِيهِ وَيَكُونُ مُحَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ وَالْقَبِيلَةِ أَوْ يَخْتَارُ النَّاظِرُ الْأَصْلَحَ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَيُوَلِّيهِ التَّدْرِيسَ وَيَكُونُ أَيْضًا مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ إنْ وَلَّى مُدَرِّسًا مَا أَحْكَمَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ الْمُخَالَفَةُ وَاقِعَةٌ وَقَدْ يُخَيَّرُ النَّاظِرُ فِيمَا يُخَلِّصُهُ وَيُبَرِّئُ ذِمَّتَهُ أَفْتُونَا فِي ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ.
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ قِيَامُ الْمَدْرَسَةِ وَبَقِيَّةِ وَظَائِفِهَا بِدُونِ الْمُدَرِّسِ وَانْتِظَارِ حُدُوثِ مَنْ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْمَدِينَةِ فَيُنْتَظَرُ وَلَا يُوَلَّى أَحَدٌ إلَى أَنْ يَحْصُلَ مَنْ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَيُصْرَفُ مَعْلُومُ

الصفحة 34