كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

وَالثَّلَاثُونَ الَّتِي كَانَتْ لِابْنِ قَاضِي بَالِسَ لَا مُسْتَحِقَّ لَهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُنْقَطِعَةُ الْآخِرِ فَتَكُونُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِلْمُدَرِّسِ عَنْ النَّظَرِ إنْ عَمِلَ عَمَلًا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا جَعْلُ الْمِائَةِ بِكَمَالِهَا لَهُ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا لِمَنْعِ حَقِّ الْخُدَّامِ، نَعَمْ إنْ تَعَيَّنَ احْتِيَاجٌ إلَى عَمَلٍ فِي الْوَقْفِ جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ عَمِلَهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُدَرِّسُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ الْإِسْنَادُ نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ تَنَاوُلَ الْمِائَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلنَّظَرِ لَا تَجُوزُ لِلْمُدَرِّسِ قَطْعًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةٍ إذَا قَدَّرَهَا الْحَاكِمُ زَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ أَوْ نَقَصَتْ لَا بِصِيغَةِ النَّظَرِ الْمُشْتَرَطِ بَلْ يُجْعَلُ لِلْحَاكِمِ كَمَا يُجْعَلُ مِنْ الْوَقْفِ لِسَائِرِ الْأُجَرَاءِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الْإِسْنَادِ فَيَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْ اسْتَحَقَّ النَّظَرَ الْمِائَةَ الْمُشْتَرَطَةَ لَهُ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ إنَّهَا لِلنَّاظِرِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَدْ فَصَّلَهُ فَجَعَلَهُ فِي حَالِ الْإِسْنَادِ لِمَنْ أَسْنَدَ إلَيْهِ وَفِي حَالِ عَدَمِ الْإِسْنَادِ لِلْأُمِّ وَنَصَّ عَلَى الْمَعْلُومِ فِي السَّلَامِ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُمْ صَرِيحًا، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُرِيدَهُ لَكِنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعُمُومِ يَقْتَضِي صَرْفَهَا إلَيْهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي حُكْمِ النَّظَرِ وَالْمَعْلُومِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْإِسْنَادِ.
فَنَقُولُ إذَا اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَى كِتَابِ الْوَقْفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعْدَ انْقِرَاضِ ابْنِ قَاضِي بَالِسَ وَنَسْلِهِ وَالْخُدَّامِ الْمُعَيَّنِينَ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْإِسْنَادِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْرِدَ الْمُدَرِّسَ بِالنَّظَرِ لِدَلَالَةِ كِتَابِ الْوَقْفِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْخُدَّامِ مَا كَانَ لِلطَّوَاشِيِّ يَمَنَ، وَغَايَةُ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُدَرِّسِ الْأَرْبَعِينَ الْمَشْرُوطَةَ وَالثَّلَاثِينَ الَّتِي لِابْنِ قَاضِي بَالِسَ مَعَ تَرَدُّدٍ عِنْدِي فِي ذَلِكَ، وَإِذَا تَبَيَّنَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْإِسْنَادِ يَجِبُ أَنْ تُسْتَرْجَعَ الْأَرْبَعُونَ الَّتِي قَبَضَهَا بِالشَّرْطِ وَكَذَا الثَّلَاثُونَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَعَلَ لَهُ أُجْرَةَ عَمَلٍ اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ الْمُشْتَرَطِ لَهُ أُجْرَةٌ لَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ زَائِدًا عَلَى النَّظَرِ أَوْ لَا وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ تَنَاوُلُهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَمْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ مِنْ الْوَاقِفِ لَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ فَلَيْسَتْ صَدَقَةً مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ أُجْرَةً مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى عَمَلِهِ زَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ بَلْ أَقُولُ إنَّهُ قَدْ لَا يَتَّفِقُ مِنْهُ عَمَلٌ لِعَدَمِ احْتِيَاجِ الْوَقْفِ إلَيْهِ فِي شَهْرٍ مَثَلًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ إذَا كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ النَّظَرِ وَهِيَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَافْهَمْ ذَلِكَ، أَمَّا الزَّائِدُ عَلَى الْمِائَةِ فَلَا يَجُوزُ لَكِنْ هُنَا شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَقْفَ إذَا احْتَاجَ إلَى عَمَلٍ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ وَلَا مُتَبَرِّعَ وَهُوَ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ فِعْلُهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ

الصفحة 39