كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

يَعْمَلُهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْوَقْفِ وَيَصْرِفُهَا مِنْهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا لِلْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّاظِرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ إذْنِ الْحَاكِمِ قَطْعًا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي أَخْذِ مَعْلُومٍ عَنْ عَمَلٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ؟ فَنَقُولُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْ وَظَائِفِ النَّاظِرِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جُعِلَتْ الْمِائَةُ بِإِزَائِهِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ صَانِعٌ مِنْ الصُّنَّاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ قَدْرًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا بِصِفَةٍ أُخْرَى، لَكِنَّ هَذَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَخَيَّلُ فِي الْمُسْتَحَقِّ بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ أَمَّا الْمَأْخُوذُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ فَهُوَ لِلْعَمَلِ لَا لِلشَّخْصِ فَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَمْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لَهُ وَإِعْطَاؤُهُ الْأُجْرَةَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِالصِّفَةِ، الشَّيْءُ الثَّانِي أَنَّ فِي هَذَا الْوَقْفِ جَعَلَتْ لِنَجْمِ الدِّينِ وَنَسْلِهِ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَغِرَارَةً وَنِصْفَ غِرَارَةٍ، وَقَالَتْ: إنَّهَا عَنْ نَظَرِهِ وَمُشَارَفَتِهِ فَهَلْ يَجُوزُ الْآنَ بَعْدَ انْقِرَاضِ نَسْلِهِ أَنْ تَجْعَلَ لِغَيْرِهِ وَتَجْعَلَ نَاظِرًا مُشَارِفًا مَعَ النَّاظِرِ الْكَبِيرِ كَمَا كَانَ نَجْمُ الدِّينِ فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كِتَابِ الْوَقْفِ؟ فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا جَعَلَتْ لَهُ بِخُصُوصِهِ مَعَ قِيَامِهِ فِيمَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ فَبَعْدَهُ لَا يُصْرَفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الشَّرْطِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمُعْتَبَرِ الْمُرَكَّبِ مِنْ خُصُوصِ الشَّخْصِ مَعَ الْعَمَلِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ الْكَبِيرِ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ رَأَى احْتِيَاجَ الْوَقْفِ إلَى نَصْبِ شَخْصٍ مُشَارِفٍ بِأُجْرَةٍ جَازَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَتَقَدَّرُ بِثَمَانِينَ وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَكَتَبْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ السِّتَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْخَامِسِ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِقَاعَتِي بِدَارِ الْحَدِيثِ الْإِشْرَافِيَّةِ بِدِمَشْقَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

(مَسْأَلَةٌ) وَقَفَ سَنِيُّ الدَّوْلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَيَّاطِ دَارًا بِدِمَشْقَ وَنِصْفَ فُرْنٍ وَجَمِيعَ بُسْتَانٍ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ وَبُسْتَانًا آخَرَ وَصَلَائِحَ وَجُنَيْنَةً وَكَرْمًا وَسُبْعَ ضَيْعَةِ الْحُمُوسَةِ وَرُبْعَ ضَيْعَةِ لِأَلْفٍ عَلَى ابْنَيْهِ فَضْلِ اللَّهِ وَهِبَةِ اللَّهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجْرِي ذَلِكَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا أَجْمَعُهُمْ وَخَلَتْ الْأَرْضُ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى بَنَاتِ الْوَاقِفِ أَخَوَاتِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا ثُمَّ أَوْلَادِهِنَّ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِنَّ وَنَسْلِهِنَّ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِدِمَشْقَ وَعَلَى عِمَارَتِهِ وَتَجْدِيدِ آلَاتِهِ وَأَسْنَدَ صَدَقَتَهُ وَالتَّوَلِّي عَلَيْهَا إلَى الْأَسَدِّ فَالْأَسَدِّ مِنْ وَلَدِهِ يَنْظُرُ فِيهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَيُوَلِّيهَا مَنْ يَرْتَضِيهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ

الصفحة 40