كتاب فتاوى السبكي (اسم الجزء: 2)

الْأَسَدِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ مِنْ أَحَدِ الْقُوَّامِ، وَآلَ النَّظَرُ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ وَطَلَبَ رَفْعَ يَدِهِ عَمَّا يَخُصُّهُ مِنْ الْمِائَةِ وَسَأَلَهُ سُؤَالَهُ فَسَأَلَهُ الْحَاكِمُ فَذَكَرَ أَنَّ مُوَكَّلَهُ أَسَدُّ الْمَوْجُودِينَ وَأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَحْضَرَ فَتْوَى فِيهَا شَرْطُ الْوَاقِفِ وَفِيهَا فَهَلْ إذَا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمَا عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يَكُونُ النَّظَرُ إلَى الْأَسَدِّ مِنْ أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا أَمْ لِلْحَاكِمِ؟
فَكَتَبَ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ الشَّرَفِ حَسَنِ الْحَنْبَلِيِّ: يَسْتَحِقُّ نَظَرَ هَذَا الْوَقْفِ سَنِيُّ الدَّوْلَةِ الْأَسَدُّ فَالْأَسَدُّ مِنْ وَلَدَيْهِ وَأَوْلَادِهِمَا وَسَائِرِ الْبُطُونِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَكُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ النَّظَرَ فَلَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ فَإِذَا تُوُفِّيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمَا عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ انْتَقَلَ إلَى الْأَسَدِّ وَأَوْلَادِهِمَا دُونَ الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَسَدِّ مِنْ النَّسْلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ لِمُحْيِي الدِّينِ فَحَكَمَ لَهُ بِالنَّظَرِ فِي الْوَقْفِ بِحُكْمِ اتِّصَافِهِ بِالْأَسَدِّيَّةِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
وَهَذَا الْحُكْمُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ إلَيْهِ، وَإِنْ دَخَلَ فَقَدْ قَالَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَجَوَّزَ الْإِيصَاءَ فَلَوْ اسْتَحَقَّ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّظَرَ مَعَ الْإِيصَاءِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ خَالَفَ قَوْلَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْوَلَدُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِيَسْلَمَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ، وَحِينَئِذٍ إذَا انْقَطَعَ الْإِيصَاءُ اسْتَحَقَّهُ الْحَاكِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ زَيْنُ الدِّينِ فِي حُكْمِهِ بِدُخُولِ مُحْيِي الدِّينِ فِي اسْمِ الْوَلَدِ وَلَا قَالَ بِحُكْمِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ بَلْ قَالَ بِحُكْمِ اتِّصَافِهِ بِالْأَسَدِّيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْحُكْمِ فَفِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْوَلَدِ نَظَرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مُحْيِيَ الدِّينِ مُدَّعٍ عَلَى وَكِيلِهِ وَذَكَرَ وَكِيلُهُ ذَلِكَ دَفَعَ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ لَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَهَهُنَا مَرَاتِبُ: (إحْدَاهَا) أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ شَيْئًا عَلَى شَخْصٍ وَيَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَلَا يَقْضِي لِلْمُدَّعِي وَلَا يَقْضِي أَيْضًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ تَنْفَصِلُ الْخُصُومَةُ فَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ بِتَقْرِيرِ الْمُدَّعِي بِهِ فِي يَدِهِ لَمْ نُجِبْهُ لَكِنْ نَمْنَعُ الْمُدَّعِيَ مِنْ التَّعَرُّضِ حَتَّى يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ.
(الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَيُقِيمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَيَحْكُمَ لَهُ مَعَ الْيَدِ وَصُورَتُنَا هَذِهِ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ وَقْفِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ وَأَيْضًا فَالْمُدَّعِي لَيْسَ مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَكَيْفَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالْحَاكِمُ الْمُتَكَلِّمُ فِي الْأَوْقَافِ إنَّمَا هُوَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ لَمْ يَنْصِبْ مَنْ سَمِعَ الدَّعْوَى فَكَيْفَ يَسُوغُ لِهَذَا الْحَاكِمِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحُكْمُ لِمُحْيِي الدِّينِ بِغَيْرِ خَصْمٍ. وَأَيْضًا فَهَذَا الْوَقْفُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ

الصفحة 42