كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 1)

وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا فَرَّقَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، بَيْنَ مَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ، أَنَّهُ لَا يَبَرُّ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَإِذَا كَانَ تَحْرِيمُ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ، وَآنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، يَقْتَضِي شُمُولَ التَّحْرِيمِ لِأَبْعَاضِ ذَلِكَ، بَقِيَ اتِّخَاذُ الْيَسِيرِ لِحَاجَةٍ أَوْ مُطْلَقًا، فَالِاتِّخَاذُ الْيَسِيرُ.
وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِ الْآنِيَةِ بِدُونِ اسْتِعْمَالِهَا، فَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَنْهُمَا تَحْرِيمُهُ، إذْ الْأَصْلُ أَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَآلَاتِ الْمَلَاهِي.
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ التَّابِعَةُ كَثِيرَةً فَفِيهَا أَيْضًا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَفِي تَحْدِيدِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ، وَالتَّرْخِيصِ فِي لُبْسِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ، أَوْ تَحْلِيَةِ السِّلَاحِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَهَذَا فِيهِ إبَاحَةُ يَسِيرِ الْفِضَّةِ مُفْرَدًا، لَكِنْ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّحَلِّي، وَذَلِكَ يُبَاحُ فِيهِ مَا لَا يُبَاحُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا غَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، حَيْثُ حَكَى قَوْلًا بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ تَبَعًا فِي الْآنِيَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو بَكْرٍ، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَالتَّحَلِّي كَعَلَمِ الذَّهَبِ وَنَحْوِهِ.
وَفِي يَسِيرِ الذَّهَبِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ عَنْ أَحْمَدَ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: الرُّخْصَةُ مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «نَهَى عَنْ الذَّهَبِ إلَّا مُقَطَّعًا» وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ.
وَالثَّانِي: الرُّخْصَةُ فِي السِّلَاحِ فَقَطْ.
وَالثَّالِثُ: فِي السَّيْفِ خَاصَّةً، وَفِيهِ وَجْهٌ بِتَحْرِيمِهِ مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ: «لَا يُبَاحُ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا خَرِيصَةٌ» .

الصفحة 436