كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 1)

أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ.
وَالْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ وَمُسَمَّى الطَّوَافِ مُتَوَاتِرَةٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ نَوْعًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّلَاةُ مِفْتَاحُهَا الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» .
وَالطَّوَافُ لَيْسَ تَحْرِيمُهُ التَّكْبِيرَ، وَتَحْلِيلُهُ التَّسْلِيمَ، وَقَدْ تَنَازَعَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ الْحَدَثِ لَهُ، وَالْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ لَهُ، وَمَنْعُ الْحَائِضِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْمُحْدِثِ.
وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ فِيهِ أَوْ شَرْطٌ فِيهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ فِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، وَمِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» . فَنَهَى عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَالطَّوَافُ يَجُوزُ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّ لَهَا تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا، وَنَهَى فِيهَا عَنْ الْكَلَامِ، وَتُصَلَّى بِإِمَامٍ وَصُفُوفٍ. وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا سُجُودُ التِّلَاوَةِ: فَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ هُوَ مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ؟ مَعَ أَنَّهُ سُجُودٌ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْفِعْلِيَّةِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي حَالِ

الصفحة 455