كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 1)

بَابٌ: فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فِي طَاهِرٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ إلَّا طَاهِرًا، وَالْمُتَطَوِّعُ أَيْسَرُ، وَلَا يَقِفُ مَشَاهِدَ الْحَجِّ إلَّا طَاهِرًا. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَهُوَ نَاسٍ لِطَهَارَتِهِ حَتَّى رَجَعَ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يَطُوفَ وَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ وَطِئَ فَحَجُّهُ مَاضٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَهَذَا النَّصُّ مِنْ أَحْمَدَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا طَافَ نَاسِيًا لِطَهَارَتِهِ، لَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَجُّهُ مَاضٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ فِي الطَّهَارَةِ، فَأَمَرَ بِالطَّهَارَةِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْمَشَاهِدِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَهُ، فَقَطْعَ الْقَوْلَ هُنَا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النِّسْيَانِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا: إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ، يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ، وَإِذَا طَافَ وَهُوَ جُنُبٌ، فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: إذَا طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلْيُعِدْ طَوَافَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: بَابٌ: فِي الطَّوَافِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وَإِذَا طَافَ رَجُلٌ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطُوفَ إلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ. وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَحْمَدَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ الطَّوَافُ عِنْدَهُ كَالصَّلَاةِ فِي شُرُوطِهَا، فَإِنَّ غَايَةَ مَا ذُكِرَ فِي الطَّوَافِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ: أَنَّ الْحَسَنَ كَرِهَ ذَلِكَ.
وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطُوفَ إلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُقَالُ فِي الْمُسْتَحَبِّ الْمُؤَكَّدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ إذَا طَافَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، صَحَّ طَوَافُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: هَلْ لِلطَّوَافِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ.

الصفحة 467