كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 131 - 132] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ» فَدِينُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ دِينٌ وَاحِدٌ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ وَشَرَعَهُ، كَمَا قَالَ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13] .
وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ فِي هَذَا الدِّينِ الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ، كَمَا قَالَ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] . كَمَا يَتَنَوَّعُ شَرِيعَةُ الرَّسُولِ الْوَاحِدِ.
فَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَهَذَا فِي وَقْتِهِ كَانَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ فِي وَقْتِهَا كَانَتْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَشَرِيعَةُ الْإِنْجِيلِ فِي وَقْتِهِ كَانَتْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ آمَنَ بِالتَّوْرَاةِ ثُمَّ كَذَّبَ بِالْإِنْجِيلِ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ كَافِرًا، وَكَذَلِكَ مَنْ آمَنَ بِالْكِتَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَكَذَّبَ بِالْقُرْآنِ كَانَ كَافِرًا خَارِجًا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَجَمِيعِ الرُّسُلِ.

الصفحة 450