كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

وَفِي السُّنَن عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، إلَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى» .
وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الصَّمْتِ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَضَائِلِ التَّكَلُّمِ بِالْخَيْرِ وَالصَّمْتُ عَمَّا يَجِبُ مِنْ الْكَلَامِ حَرَامٌ، سَوَاءٌ اتَّخَذَهُ دِينًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْهُ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَيَجِبُ أَنْ تُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتُبْغِضَ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتُبِيحَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتُحَرِّمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

[مَا فِي الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِدَعِ]
358 - 28 - وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّا فِي الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِدَعِ؟
فَأَجَابَ: أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ سَوَّلَ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ فِي أَوَاخِرِ صَوْمِ النَّصَارَى، وَهُوَ الْخَمِيسُ، الْحَقِيرُ مِنْ الْهَدَايَا، وَالْأَفْرَاحِ، وَالنَّفَقَاتِ، وَكِسْوَةِ الْأَوْلَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ مِثْلَ عِيدِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا الْخَمِيسُ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ صَوْمِ النَّصَارَى: فَجَمِيعُ مَا يُحْدِثُهُ الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ النِّسَاءِ، وَتَبْخِيرُ الْقُبُورِ وَوَضْعُ الثِّيَابِ عَلَى السَّطْحِ، وَكِتَابَةُ الْوَرَقِ وَإِلْصَاقُهَا بِالْأَبْوَابِ، وَاِتِّخَاذُهُ مَوْسِمًا لِبَيْعِ الْخُمُورِ وَشِرَائِهَا وَرَقْيِ الْبَخُورِ مُطْلَقًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ قَصْدِ شِرَاءِ الْبَخُورِ الْمَرْقِيِّ، فَإِنَّ رَقْيَ الْبَخُورِ وَاِتِّخَاذَهُ قُرْبَانًا هُوَ دِينُ النَّصَارَى، وَالصَّابِئِينَ. وَإِنَّمَا الْبَخُورُ طِيبٌ يُتَطَيَّبُ بِدُخَانِهِ، كَمَا يُتَطَيَّبُ بِسَائِرِ الطِّيبِ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُهُ بِطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صَبْغِ الْبَيْضِ.
وَأَمَّا الْقِمَارُ بِالْبَيْضِ، وَبَيْعُهُ لِمَنْ يُقَامِرُ بِهِ، أَوْ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُقَامِرِينَ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ أَخْذِ وَرِقِ الزَّيْتُونِ، أَوْ الِاغْتِسَالِ بِمَائِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ

الصفحة 481