كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

الصُّوَرَ الْمَلْعُونَ فَاعِلُهَا الَّتِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا هِيَ فِيهِ، تَمْنَعُ الْهَوَاءَ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ طَلَاسِمِ الصَّابِئَةِ. ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَلَغَنِي يَصْلُبُ بَابَ الْبَيْتِ، وَيَخْرُجُ خَلْقٌ عَظِيمٌ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى هَذَا يُبَخِّرُونَ الْقُبُورَ وَيُسَمُّونَ هَذَا الْمُتَأَخِّرَ الْخَمِيسَ الْكَبِيرَ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ الْخَمِيسُ الْمَهِينُ الْحَقِيرُ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَمَنْ يُعَظِّمُهُ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا عُظِّمَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ بِنِيَّةٍ يَجِبُ قَصْدُ إهَانَتِهِ، كَمَا تُهَانُ الْأَوْثَانُ الْمَعْبُودَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَوْلَا عِبَادَتُهَا لَكَانَتْ كَسَائِرِ الْأَحْجَارِ.
وَمِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ: أَنَّهُمْ يُوَظِّفُونَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ وَظَائِفَ أَكْثَرُهَا كَرْهًا؛ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ، يَجْتَمِعُ فِيهَا تَحْرِيمَانِ: أَكْلُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِقَامَةُ شِعَارِ النَّصَارَى، وَيَجْعَلُونَهُ مِيقَاتًا لِإِخْرَاجِ الْوُكَلَاءِ عَلَى الْمَزَارِعِ، وَيَطْبُخُونَ مِنْهُ وَيَصْطَبِغُونَ فِيهِ الْبَيْضَ، وَيُنْفِقُونَ فِيهِ النَّفَقَاتِ الْوَاسِعَةَ، وَيُزَيِّنُونَ أَوْلَادَهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَقْشَعِرُّ مِنْهَا قَلْبُ الْمُؤْمِنِ، الَّذِي لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ، بَلْ يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ، وَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ. وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ تَحْتَ السَّمَاءِ رَجَاءً لِبَرَكَةِ نُزُولِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا. فَهَلْ يَسْتَرِيبُ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ أَنَّ شَرِيعَةً جَاءَتْ بِمَا قَدَّمْنَا بَعْضَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. لَا يُرْضَى مِنْ شَرْعِهَا بِبَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ اخْتِصَاصُ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ أَوْ شَابَهْتهمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ، فَيَوْمُ الْخَمِيسِ هُوَ عِيدُهُمْ، يَوْمُ عِيدِ الْمَائِدَةِ، وَيَوْمُ الْأَحَدِ يُسَمُّونَهُ عِيدَ الْفِصْحِ، وَعِيدَ النُّورِ، وَالْعِيدَ الْكَبِيرَ. وَلَمَّا كَانَ عِيدًا صَارُوا يَصْنَعُونَ لِأَوْلَادِهِمْ فِيهِ الْبَيْضَ الْمَصْبُوغَ وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ يَأْكُلُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ، إذْ صَوْمُهُمْ هُوَ عَنْ الْحَيَوَانِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَعَامَّةُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصَارَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُحْكَ قَدْ زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، وَجَعَلَ لَهَا فِي قُلُوبِهِمْ مَكَانَةً وَحُسْنَ ظَنٍّ، وَزَادُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَنَقَصُوا وَقَدَّمُوا وَأَخَّرُوا وَكُلُّ مَا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأَيَّامُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَابِهَهُمْ فِي أَصْلِهِ وَلَا فِي وَصْفِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَكْسُونَ بِالْحُمْرَةِ دَوَابَّهُمْ. وَيَصْبُغُونَ الْأَطْعِمَةَ الَّتِي لَا تَكَادُ تُفْعَلُ فِي عِيدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا الَّتِي تَكُونُ فِي مِثْلِ مَوَاسِمِ الْحَجِّ. وَعَامَّتُهُمْ قَدْ نَسَوْا أَصْلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ عَادَةً مُطَّرِدَةً.

الصفحة 483