كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 2)

فَخَلَعْنَا، قَالَ: فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلِيَقْلِبْ نَعْلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى خَبَثًا فَلِيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» فَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ صَلَاتَهُمْ فِي نِعَالِهِمْ، وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ يُوطَأُ بِهِمَا عَلَى مَفَارِشَ، وَأَنَّهُ إذَا رَأَى بِنَعْلَيْهِ أَذًى فَإِنَّهُ يَمْسَحُهُمَا بِالْأَرْضِ، وَيُصَلِّي فِيهِمَا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهِمَا، وَلَا إلَى نَزْعِهِمَا وَقْتَ الصَّلَاةِ، وَوَضْعِ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِمَا، كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَبِهَذَا كُلِّهِ جَاءَتْ السُّنَّةُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمُسْنَدِ، عَنْ «أَبِي سَلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْت أَنَسًا أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ» . فَقَدْ أُمِرْنَا بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ، إذْ هُمْ يَنْزِعُونَ الْخِفَافَ وَالنِّعَالَ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَيَأْتَمُّونَ فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمْ بِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حَيْثُ قِيلَ لَهُ وَقْتَ الْمُنَاجَاةِ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12] . فَنُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَأُمِرْنَا أَنْ نُصَلِّيَ فِي خِفَافِنَا وَنِعَالِنَا، وَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى مَسَحْنَاهُمَا بِالْأَرْضِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلَيْهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُمَا طَهُورٌ» وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «إذَا وَطِئَ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ قِيلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

الصفحة 62