كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

يَعْقِدُونَ الْأَنْكِحَةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَاضِرُونَ مُعَدَّلِينَ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ. وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا مُبْرِزَيْ الْعَدَالَةِ فَهَؤُلَاءِ شُهُودُ الْحُكَّامِ مُعَدَّلُونَ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ فَاسِقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ فُسَّاقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ النِّكَاح الْمُؤَقَّت]
430 - 32 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ رَكَّاضٍ يَسِيرِ الْبِلَادَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، وَيَعْزِلُ عَنْهَا وَيَخَافُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ؟ وَإِذَا سَافَرَ طَلَّقَهَا وَأَعْطَاهَا حَقَّهَا أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ أَوْ لَا؟
الْجَوَابُ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، لَكِنْ يَنْكِحُ نِكَاحًا مُطْلَقًا، لَا يَشْتَرِطُ فِيهِ تَوْقِيتًا، بِحَيْثُ يَكُونُ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا حَتْمًا عِنْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ كُرِهَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ نِزَاعٌ، وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ إذَا سَافَرَ وَأَعْجَبَتْهُ أَمْسَكَهَا وَإِلَّا طَلَّقَهَا جَازَ ذَلِكَ، فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّوْقِيتَ فَهَذَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الَّذِي اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ يُرَخِّصُونَ فِيهِ: إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا لِلْمُضْطَرِّ، كَمَا قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ.
فَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَالْقُرْآنُ قَدْ حَرَّمَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ إلَّا زَوْجَةً أَوْ مَمْلُوكَةً بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] .
وَهَذِهِ الْمُسْتَمْتَعُ بِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَلَا مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَزْوَاجِ أَحْكَامًا مِنْ الْمِيرَاثِ، وَالِاعْتِدَادِ بَعْدَ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ

الصفحة 100