كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: آيَةُ الْمَائِدَةِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْبَقَرَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا» . وَالْآيَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ تَنْسَخُ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إذَا تَعَارَضَتَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ الْمُمْتَحِنَةِ، وَأَمَرَ بِامْتِحَانِ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُوَ خِطَابٌ لِمَنْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ كَافِرَةٌ، وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ، وَالْكَوَافِرُ الْمَعْهُودَاتُ هُنَّ الْمُشْرِكَاتُ، مَعَ أَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ يُمَيَّزُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، لِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} [النساء: 51] .
فَإِنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ هُوَ الْإِيمَانُ، وَلَكِنْ هُمْ كَفَرُوا مُبْتَدِعِينَ الْكُفْرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [النساء: 150] {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 151] .

[بَابٌ مِنْ النِّكَاحِ]
[مَسْأَلَةٌ تَكَلَّم بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا]
بَابٌ مِنْ النِّكَاحِ 441 - 43 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَحُكِمَ بِكُفْرِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مِنْ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلٍ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. إذَا ارْتَدَّ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً فَلَا يَقَعُ بِهَا

الصفحة 118