كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

لَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] .
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، بَلْ يُفَارِقَهَا وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا.

[مَسْأَلَةٌ اتَّهَمَ زَوْجَتَهُ بِفَاحِشَةٍ]
493 - 95 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ اتَّهَمَ زَوْجَتَهُ بِفَاحِشَةٍ بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَرَ عِنْدَهَا مَا يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ، إلَّا ادَّعَى أَنَّهُ أَرْسَلَهَا إلَى عُرْسٍ ثُمَّ إنَّهُ تَجَسَّسَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْهَا فِي الْعُرْسِ فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَنَّهُ أَتَى إلَى أَوْلِيَائِهَا وَذَكَرَ لَهُمْ الْوَاقِعَةَ فَاسْتَدْعُوا بِهَا لِتُقَابِلَ زَوْجَهَا عَلَى مَا ذَكَرَ، فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنْ الضَّرْبِ، فَخَرَجَتْ إلَى بَيْتِ خَالِهَا، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ بَعْدَ ذَلِكَ حَمَلَ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا فِي إبْطَالِ حَقِّهَا، وَادَّعَى أَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِحَقِّهَا وَالْإِنْكَارُ الَّذِي أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ يَسْتَوْجِبُ إنْكَارًا فِي الشَّرْعِ؟
الْجَوَابُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] .
فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْضُلَ الْمَرْأَةَ بِأَنْ يَمْنَعَهَا وَيُضَيِّقَ عَلَيْهَا حَتَّى تُعْطِيَهُ بَعْضَ الصَّدَاقِ، وَلَا أَنْ يَضْرِبَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، لَكِنْ إذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْضُلَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا هَذَا فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَرْأَةِ فَيَكْشِفُونَ الْحَقَّ مَعَ مَنْ هُوَ، فَيُعِينُونَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَيَّنَ لَهُمْ هِيَ الَّتِي تَعَدَّتْ حُدُودَ اللَّهِ وَآذَتْ الزَّوْجَ فِي فِرَاشِهِ فَهِيَ ظَالِمَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ فَلْتَفْتَدِ مِنْهُ.

الصفحة 154