كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

وَقَالَ فِي الْكُفْرِ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 136] . وَأُولُو الْعَزْمِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، بِقَدْرِ الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ لَيْسَ بِغَرِيبٍ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَالرَّضَاعُ إذَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَيَنْشُرُ الْعَظْمَ فَيَصِيرُ نَبَاتُهُ بِهِ كَنَبَاتِهِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُحَرِّمْ رَضَاعُ الْكَبِيرِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ لَيْسَ لَهُمَا تَأْثِيرٌ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا، كَمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ مَا دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ حَتَّى لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي بِشَيْءٍ مِنْ التَّافِهِ، وَاعْتِبَارُهُ فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ إذَا كَانَ أَقَلَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ، فَهَذَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَأْخَذِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا يَحْتَاجُ إلَى وَرَقَةٍ أَكْبَرَ مِنْ هَذِهِ، وَهِيَ مِنْ أَشْهَرِ مَسَائِلِ النِّزَاعِ، وَالنِّزَاعُ فِيهَا مِنْ زَمَانِ الصَّحَابَةِ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَنَازَعُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّابِعُونَ بَعْدَهُمْ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ دَخَلَ اللَّبَنُ فِي جَوْفِ الصَّبِيِّ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، فَهُنَا لَا نَحْكُمُ بِالتَّحْرِيمِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي فَمِهِ فَإِنَّ حُصُولَ اللَّبَنِ فِي الْفَمِ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
516 - 118 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ عَدِيدَةٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ حَضَرَ مَنْ نَازَعَ الزَّوْجَةَ، وَذَكَرَ لِزَوْجِهَا أَنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ الَّتِي فِي عِصْمَتِكَ شَرِبَتْ مِنْ لَبَنِ أُمِّك؟
الْجَوَابُ: إنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ وَهُوَ خَبِيرٌ بِمَا ذَكَرَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا رَضَعَتْ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَوْلَيْنِ، رُجِعَ إلَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَايَنَ الرَّضَاعَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ لَهُ قَرِينَةٌ لَمْ يَتَرَاضَعْ هُوَ وَأَبُوهَا وَلَهُمَا إخْوَةٌ صِغَارٌ تَرَاضَعُوا]
517 - 119 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ لَهُ قَرِينَةٌ لَمْ يَتَرَاضَعْ هُوَ وَأَبُوهَا، لَكِنْ لَهُمَا إخْوَةٌ صِغَارٌ تَرَاضَعُوا، فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَرُزِقَ مِنْهَا وَلَدًا، فَمَا حُكْمُهُمْ وَمَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ؟

الصفحة 170