كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

ذَلِكَ وَهُوَ] يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ جَائِزٍ - وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَنَّهَا بَالِغًا فَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ زَوَّجَهَا، فَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بِنْت الزِّنَا هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا]
532 - 134 - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ بِنْتِ الزِّنَا: هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا؟
أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ؛ حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ: هَلْ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا. وَأَمَّا " الْمُتَأَوِّلُ " فَلَا يُقْتَلُ؛ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مُطْلَقًا، كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: إنَّهُ يُجْلَدُ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَأَوِّلًا؛ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفَسَّقَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يُفَسَّقُ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ. وَأَحْمَدُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِهِ، لَمْ يَظْهَرْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ.
وَاَلَّذِينَ سَوَّغُوا " نِكَاحَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا " حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: لَيْسَتْ هَذِهِ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ؛ وَلَا يَجِبُ نَفَقَتُهَا؛ وَلَا يَلِي نِكَاحَهَا، وَلَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ، فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
وَأَمَّا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ هَذَا اللَّفْظُ، سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؛

الصفحة 199