كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

عَلَيْهِ إلَّا رَدَّ اللَّهُ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
377 - 17 - سُئِلَ: هَلْ يَجِبُ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ؟ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْقِرَاءَةُ تَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ؟
الْجَوَابُ: تَلْقِينُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ وَاجِبًا، بِالْإِجْمَاعِ. وَلَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِ بَيْنَهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ. بَلْ ذَلِكَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ كَأَبِي أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ.
فَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدْ اسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَكْرَهُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ. فَالْأَقْوَالُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ: الِاسْتِحْبَابُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِبَاحَةُ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ.
فَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَمْ يَكُنْ يَكْرَهُهَا فِي الْأُخْرَى. وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِيهَا لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ بِفَوَاتِحِ الْبَقَرَةِ، وَخَوَاتِيمِهَا. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
فَالْقِرَاءَةُ عِنْدَ الدَّفْنِ مَأْثُورَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ]
378 - 18 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُشْرَعُ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ؟ أَوْ لَا؟
الْجَوَابُ: وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فَقَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَحْسَنُوهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي. وَالرَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ نَفْسُهُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِيهِ شَيْءٌ.
وَمِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ يَفْعَلُهُ: كَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ.

الصفحة 25