كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

وَالْمَيِّتُ أَيْضًا يُرْحَمُ بِصَلَاةِ الْحَيِّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا مِائَةً وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ، وَيُرْوَى ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ، وَيَشْفَعُونَ فِيهِ، إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ - أَوْ قَالَ إلَّا غُفِرَ لَهُ -» فَاَللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُ هَذَا السَّاعِيَ عَلَى سَعْيِهِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَيَرْحَمُ ذَلِكَ الْمَيِّتَ بِسَعْيِ هَذَا الْحَيِّ لِدُعَائِهِ لَهُ، وَصَدَقَتِهِ عَنْهُ، وَصِيَامِهِ عَنْهُ، وَحَجِّهِ عَنْهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ دَعْوَةً إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ دَعْوَةً قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ. وَلَك بِمِثْلِهِ» .
فَهَذَا مِنْ السَّعْيِ الَّذِي يَنْفَعُ بِهِ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ يُثِيبُ اللَّهُ هَذَا، وَيَرْحَمُ هَذَا. {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ، أَوْ الْحَيُّ، أَوْ يُرْحَمُ بِهِ يَكُونُ مِنْ سَعْيِهِ، بَلْ أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مَعَ آبَائِهِمْ بِلَا سَعْيٍ، فَاَلَّذِي لَمْ يَجُزْ إلَّا بِهِ أَخَصُّ مِنْ كُلِّ انْتِفَاعٍ؛ لِئَلَّا يَطْلُبَ الْإِنْسَانُ الثَّوَابَ عَلَى غَيْرِ عَمَلِهِ، وَهُوَ كَالدَّيْنِ يُوفِيهِ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ، فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَا وَفَّى بِهِ الدَّيْنَ؛ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوفِي لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْقِرَاءَة لِلْمَيِّتِ]
383 - 23 - سُئِلَ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ - وَفَّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِمَرْضَاتِهِ - فِي الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ، هَلْ تَصِلُ إلَيْهِ؟ أَمْ لَا؟ وَالْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَطَعَامِ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِمَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّدَقَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، أَيُّهُمَا الْمَشْرُوعُ الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ؟ وَالْمَسْجِدِ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقُبُورِ، وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَمَا يُعْلَمُ هَلْ بُنِيَ قَبْلَ الْقُبُورِ؟ أَوْ الْقُبُورُ قَبْلَهُ؟ وَلَهُ ثَلَاثٌ: رِزْقٌ، وَأَرْبَعِمِائَةِ أصددمون قَدِيمَةٍ مِنْ زَمَانِ الرُّومِ، مَا هُوَ لَهُ، بَلْ لِلْمَسْجِدِ، وَفِيهِ الْخُطْبَةُ كُلَّ جُمُعَةٍ، وَالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَهُ كُلَّ سَنَةٍ مَوْسِمٌ يَأْتِي إلَيْهِ رِجَالٌ كَثِيرٌ وَنِسَاءٌ وَيَأْتُونَ بِالنُّذُورِ مَعَهُمْ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي الْبَلَدِ؟ أَفْتُونَا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ مَأْجُورِينَ.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَمَّا الصَّدَقَةُ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا بِاتِّفَاقِ

الصفحة 32