كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

مِنْهُ، وَلَا الْأَقْسَامَ عَلَى اللَّهِ بِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: أَسْأَلُكَ بِحَقِّ فُلَانٍ، وَفُلَانٍ: بَلْ كُلُّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ طِبَاقِ الْأُمَّةِ.

[الِاخْتِلَافُ إلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ]
389 - 29 - سُئِلَ الشَّيْخُ عَنْ الزِّيَارَةِ؟
أَجَابَ: أَمَّا الِاخْتِلَافُ إلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الدَّفْنِ أَنْ يُقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، وَيُدْعَى لَهُ بِالتَّثْبِيتِ. كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ كَانَ إذَا دُفِنَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُومُ عَلَى قَبْرِهِ، وَيَقُولُ: سَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» . وَهَذَا مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] فَإِنَّهُ لَمَّا نَهَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَعَنْ الْقِيَامِ عَلَى قُبُورِهِمْ، كَانَ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَيُقَامُ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ.
فَزِيَارَةُ الْمَيِّتِ الْمَشْرُوعَةِ بِالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ هِيَ مِنْ هَذَا الْقِيَامِ الْمَشْرُوعِ.

[الْأَحْيَاء إذَا زَارُوا الْأَمْوَاتَ هَلْ يَعْلَمُونَ بِزِيَارَتِهِمْ]
390 - 30 - سُئِلَ: عَنْ الْأَحْيَاءِ إذَا زَارُوا الْأَمْوَاتَ هَلْ يَعْلَمُونَ بِزِيَارَتِهِمْ؟ وَهَلْ يَعْلَمُونَ بِالْمَيِّتِ إذَا مَاتَ مِنْ قَرَابَتِهِمْ، أَوْ غَيْرِهِ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَعَمْ قَدْ جَاءَتْ الْآثَارُ بِتَلَاقِيهِمْ، وَتَسَاؤُلِهِمْ، وَعَرْضِ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ عَلَى الْأَمْوَاتِ. كَمَا رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: قَالَ: «إذَا قُبِضَتْ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ تَلْقَاهَا الرَّحْمَةُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، كَمَا يَتَلَقَّوْنَ الْبَشِيرَ فِي الدُّنْيَا، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اُنْظُرُوا أَخَاكُمْ يَسْتَرِيحُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي

الصفحة 41