كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

كَرْبٍ شَدِيدٍ. قَالَ: فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَمَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ، هَلْ تَزَوَّجَتْ» الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا عِلْمُ الْمَيِّتِ بِالْحَيِّ إذَا زَارَهُ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إلَّا عَرَفَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» . قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ صَاحِبُ الْأَحْكَامِ.
وَأَمَّا مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الشَّهِيدِ، وَرِزْقِهِ، وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ دُخُولِ أَرْوَاحِهِمْ الْجَنَّةَ، فَذَهَبَ طَوَائِفُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ دُونَ الصِّدِّيقِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ، وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الْحَيَاةَ، وَالرِّزْقَ، وَدُخُولَ الْأَرْوَاحِ الْجَنَّةَ، لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالشَّهِيدِ. كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الثَّابِتَةُ، وَيَخْتَصُّ الشَّهِيدُ بِالذِّكْرِ، لِكَوْنِ الظَّانِّ يَظُنُّ أَنَّهُ يَمُوتُ، فَيَنْكُلُ عَنْ الْجِهَادِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ لِيَزُولَ الْمَانِعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْجِهَادِ، وَالشَّهَادَةِ.
كَمَا نَهَى عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِعُ. وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُمْ لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ خَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ.

[زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ]
391 - 31 - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَمُفْتِي الْأَنَامِ، الْعَالِمِ، الْعَامِلِ، الزَّاهِدِ، الْوَرِعِ، نَاصِرِ السُّنَّةِ، وَقَامِعِ الْبِدْعَةِ، تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» ؟ أَمْ لَا؟ وَهَلْ صَحَّ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ؟ أَمْ يُكْرَهُ؟ أَمْ يُسْتَحَبُّ؟

الصفحة 42