كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

[مَسْأَلَةٌ شَرَطَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالشُّهُودِ أَنْ لَا يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهِ]
مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ شَرَطَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالشُّهُودِ أَنْ لَا يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهِ، فَكَانَتْ مُدَّةُ السُّكْنَى مُنْفَرِدَةً وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ وَهَلْ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ النِّكَاحَ إذَا أَرَادَ إبْطَالَ الشَّرْطِ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَ أُمَّهَا أَوْ أُخْتَهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْمَبِيتِ عِنْدَهَا أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا إذَا شَرَطَتْ الرِّضَا بِذَلِكَ، بَلْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مَسْكَنٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَالِكٍ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، غَيْرُ مَا شَرَطَ لَهَا، فَكَيْفَ إذَا كَانَ عَاجِزًا أَوْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ النِّكَاحَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا.
فَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِلسَّكَنِ وَيَصْلُحُ لِسُكْنَى الْفَقِيرِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَنْزِلِهِ، لَا أُمَّهَا، وَلَا أُخْتَهَا إذَا كَانَ مُعَاشِرًا لَهَا بِالْمَعْرُوفِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ شَرِيف زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغٌ لِرَجُلٍ غَيْرِ شَرِيفٍ]
426 - 28 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ شَرِيفٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ، وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغٌ، لِرَجُلٍ غَيْرِ شَرِيفٍ مَغْرِبِيٍّ، مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ بِالصَّلَاحِ، بِرِضَاءِ ابْنَتِهِ وَإِذْنِهَا، وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا الْأَبُ بِالرِّضَا، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْعَقْدِ أَمْ لَا؟ مَعَ اسْتِمْرَارِ الزَّوْجَةِ بِالرِّضَا، وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ، وَقَدَحَ قَادِحٌ، فَأَشْهَدَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّ الرِّضَا وَالْإِذْنَ صَدَرَا مِنْهَا، فَهَلْ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ؟
الْجَوَابُ: لَا يَفْتَقِرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ النِّكَاحِ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، إلَّا وَجْهًا ضَعِيفًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، بَلْ قَالَ: إذَا قَالَ الْوَلِيُّ: أَذِنَتْ لِي جَازَ، عَقْدُ النِّكَاحِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ.
ثُمَّ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَنْكَرَتْ، فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إذَا لَمْ تَأْذَنْ حَتَّى عَقَدَ النِّكَاحَ جَازَ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ وَقْفِ الْعُقُودِ.

الصفحة 97