كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَمَلَكَهَا الْمُشْتَرِي وَنَحْوُهُ إلَّا مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْبَائِعَ نَفْسَهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَ الزَّوْجِ لَمْ يُمْكِنْهُ، فَالْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ دُونَ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي أَتَمَّ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالزَّوْجُ مَعْصُومٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، لِكَوْنِ أَهْلِ الْحَرْبِ يُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَكَذَلِكَ مَا مَلَكُوهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ.

وَكَذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَجَرًا قَدْ بَدَا ثَمَرُهُ كَالنَّخْلِ الْمُنَوِّرَةِ فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ مُسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءِ إلَى كَمَالِ صَلَاحِهِ. فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الشَّجَرِ إلَى كَمَالِ الصَّلَاحِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ عَامَّتُهُمْ يُجَوِّزُهُ وَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي دُونَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَكَذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُجَوِّزُونَ اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْعَقْدِ، كَمَا فِي صُوَرِ الْوِفَاقِ، كَاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ مُعَيَّنًا وَمَشَاعًا. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ أَجْزَائِهِ مُعَيَّنًا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِفَصْلِهِ كَبَيْعِ الشَّاةِ. وَاسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا سِوَى قِطَعِهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالْجِلْدِ وَالْأَكَارِعِ.
وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ فِي الْإِجَارَاتِ الْمُقَدَّرَةِ بِالزَّمَانِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ أَوْ حَانُوتًا لِلتِّجَارَةِ فِيهِ أَوْ صِنَاعَةً أَوْ أَجِيرَ الْخِيَاطَةِ أَوْ بِنَاءً وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمَهُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي مِلْكَهُ الِاسْتِمْتَاعَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ حَيْثُ ثَبَتَ، وَمَتَى ثَبَتَ فَيَمْلِكُهُ لَكِنْ حَيْثُ ثَبَتَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُحَرَّمِ أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِيهِ وَيَقْتَضِي مِلْكًا لِلْمَهْرِ الَّذِي هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمَلَّكَهَا الِاسْتِمْتَاعَ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ الْمَشَاهِيرِ وَلَوْ آلَى مِنْهَا ثَبَتَ لَهَا فِرَاقُهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْوَطْءَ وَيُبِرُّ قَسَمَهُ الِابْتِدَائِيَّ، بَلْ يَكْتَفِي بِالْبَعْثِ الطَّبِيعِيِّ، فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ، وَالْفَسْخُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ وَالِاعْتِبَارُ، وَهَلْ يَتَقَدَّرُ الْوَطْءُ الْوَاجِبُ بِمَرَّةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ، أَوْ يَجِبُ أَنْ يَطَأَهَا بِالْمَعْرُوفِ كَمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ، فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

الصفحة 103