كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

أَنَّهُ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ؛ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ مَجْبُوبَةٌ صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ شَرْطِ النَّقْصِ عَنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كَمَا ذَكَرْته لَك، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلرَّجُلِ خِيَارُ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ.
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ؛ وَكَذَلِكَ يُجَوِّزُ أَكْثَرُ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَنْ تُنْقِصَ مِلْكَ الزَّوْجِ، فَتَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ وَلَدِهَا وَمِنْ دَارِهَا، وَأَنْ يَزِيدَهَا عَلَى مَا تَمْلِكُهُ بِالْمُطْلَقِ، فَيَزِيدُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ، فَلَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَسَرَّى، وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ لَكِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَثَّرَ فِي تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَالْقِيَاسُ الْمُسْتَقِيمُ فِي هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أُصُولُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، أَنَّ اشْتِرَاطَ زِيَادَةٍ عَلَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاشْتِرَاطَ النَّقْصِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الشَّرْعُ، فَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَالنَّقْصُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْته، فَالزِّيَادَةُ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَالنَّقْصُ مِنْهُ كَذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ، أَوْ يَقِفَ الْعَيْنَ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَقْضِي بِالْعَيْنِ دَيْنًا عَلَيْهِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ أَنْ يَصِلَ بِهِ رَحِمَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، هُوَ اشْتِرَاطُ تَصَرُّفٍ مَقْصُودٍ، وَمِثْلُهُ التَّبَرُّعُ وَالْمَفْرُوضُ وَالتَّطَوُّعُ.
وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ بِمَا فِي الْعِتْقِ مِنْ الْفَضْلِ الَّذِي تَشَوَّفَهُ الشَّارِعُ فَضَعِيفٌ، فَإِنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَإِنَّ صِلَةَ ذِي الرَّحِمِ الْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ تَرَكْتِيهَا لِأَخْوَالِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» . وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَقَارِبُ لَا يَرِثُونَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَمَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَإِنَّمَا أَعْلَمُ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ:
(إحْدَاهُمَا) : تَجِبُ، كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
(وَالثَّانِيَةُ) : لَا تَجِبُ كَقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ،

الصفحة 105