كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الْجَزَاءِ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. لِئَلَّا يُوجَدَ.
وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي عَدَمِ الشَّرْطِ فَهَذَا قَلِيلٌ كَمَنْ يَقُولُ إنْ أَصَبْت مِائَةَ رَمْيَةٍ أَعْطَيْتُك كَذَا.
وَأَمَّا السَّادِسُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَهُمَا الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ. وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ لِيَمْتَنِعَ وُجُودُهُمَا، فَهُوَ مِثْلُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى حَضٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَصْدِيقٍ أَوْ تَكْذِيبٍ، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ تَصَدَّقْ فَيَقُولَ إنْ أَتَصَدَّقْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ كَذَا وَكَذَا. أَوْ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ. أَوْ فَعَبِيدُهُ أَحْرَارٌ، أَوْ يَقُولُ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ نَذَرَ كَذَا أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُقْصَدُ مَنْعُهُ كَعَبْدِهِ وَنَسِيبِهِ وَصَدِيقِهِ مِمَّنْ يَحُضُّهُ عَلَى طَاعَتِهِ.
فَيَقُولُ لَهُ: إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَعَلَيَّ كَذَا أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَعْنَى نَذْرُ التَّبَرُّرِ وَالتَّقَرُّبِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الَّذِي يَقُولُ إنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَوْ سَلَّمَ مَالِي مِنْ كَذَا أَوْ إنْ أَعْطَانِي اللَّهُ كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَحُجَّ، قَصْدُهُ حُصُولُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْغَنِيمَةُ أَوْ السَّلَامَةُ، وَقَصَدَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا نَذَرَهُ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمُخَالَعُ وَالْمُكَاتَبُ قَصْدُهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَبَدَلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا النَّذْرُ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ إذَا قِيلَ لَهُ افْعَلْ كَذَا فَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ، ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ الْحَجُّ وَالصِّيَامُ، فَهُنَا مَقْصُودُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرْطُ ثَمَّ إنَّهُ لِقُوَّةِ امْتِنَاعِهِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ إنْ فَعَلَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ عَلَيْهِ، لِيَكُونَ إلْزَامُهَا لَهُ إذَا فَعَلَ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْته فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، إنَّمَا مَقْصُودُهُ الِامْتِنَاعُ وَالْتَزَمَ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ مَا هُوَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقِ أَهْلِهِ وَذَهَابِ مَالِهِ، لَيْسَ غَرَضُ هَذَا أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِعِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَا أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ.
وَلِهَذَا سَمَّى الْعُلَمَاءُ هَذَا نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ فِيمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» . فَصُورَةُ هَذَا النَّذْرِ صُورَةُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ فِي اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ

الصفحة 114