كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ
، وَهُوَ قَدْرُ النِّصَابِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، أَوْ مَا دُونَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ مَا دُونَ النِّصَابِ، إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ فَأُصُولُ مَالِكٍ فِي الْبُيُوعَاتِ أَجْوَدُ مِنْ أُصُولِ غَيْرِهِ، أُخِذَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، الَّذِي كَانَ يُقَالُ هُوَ أَفْقَهُ النَّاسِ فِي الْبُيُوعِ، كَمَا كَانَ يُقَالُ عَطَاءٌ أَفْقَهُ النَّاسِ فِي الْمَنَاسِكِ؛ وَإِبْرَاهِيمُ أَفْقَهُهُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَسَنُ أَجْمَعُهُمْ كَذَلِكَ.
وَلِهَذَا وَافَقَ أَحْمَدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ فِي أَغْلَبِ مَا فُضِّلَ فِيهِ لِمَنْ اسْتَقْرَأَ ذَلِكَ مِنْ أَجْوِبَتِهِ؛ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مُوَافِقٌ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ، يُحَرِّمَانِ الرِّبَا وَيُشَدِّدَانِ فِيهِ حَقَّ التَّشْدِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شِدَّةِ تَحْرِيمِهِ وَعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ، وَيَمْنَعَانِ الِاحْتِيَالَ عَلَيْهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ حَتَّى قَدْ يَمْنَعَا الذَّرِيعَةَ الَّتِي تُفْضِي إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يُبَالِغُ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ مَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِيهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: لَكِنْ يُوَافِقُهُ بِلَا خِلَافٍ مِنْهُ عَلَى مَنْعِ الْحِيَلِ كُلِّهَا

وَجِمَاعُ الْحِيَلِ نَوْعَانِ: إمَّا أَنْ يَضُمُّوا إلَى أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، أَوْ يَضُمُّوا إلَى الْعَقْدِ عَقْدًا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ
فَالْأَوَّلُ: مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَضَابِطُهَا أَنْ يَبِيعَ رِبَوِيًّا بِجِنْسِهِ، وَمَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَمَنْ يَكُونُ غَرَضُهُمَا بَيْعَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ مُتَفَاضِلًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَضُمُّ إلَى الْفِضَّةِ الْقَلِيلَةِ عِوَضًا آخَرَ، حَتَّى قَدْ يَبِيعُ أَلْفَ دِينَارٍ فِي مِنْدِيلٍ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ بَيْعَ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا حَرُمَتْ مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَنَحْوِهِمَا، إنَّمَا يُسَوِّغُ مِثْلَ هَذَا مَنْ جَوَّزَ الْحِيَلَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ، وَإِنْ كَانَ قُدَمَاءُ الْكُوفِيِّينَ كَانُوا يُحَرِّمُونَ هَذَا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَقْصُودًا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَنْعُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ غَيْرَ الْجِنْسِ الرِّبَوِيِّ، كَبَيْعِ شَاةٍ ذَاتِ صُوفٍ أَوْ لَبَنٍ بِصُوفٍ أَوْ لَبَنٍ، فَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ الْجَوَازُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَضُمَّا إلَى الْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ عَقْدًا غَيْرَ مَقْصُودٍ، مِثْلُ أَنْ

الصفحة 19