كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَنْهُ فِي فِدْيَةِ الْخُلْعِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى مَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْمَهْرِ، كَقَوْلِ مَالِكٍ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي مَذْهَبِهِ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، لَكِنْ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَنَحْوِهِ إلَّا إذْ قُلِعَ، وَقَالَ: هَذَا الْغَرَرُ شَيْءٌ لَا نَرَاهُ فَكَيْفَ نَشْتَرِيهِ.
وَكَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِ، إلَّا بَعْدَ قَطْعِهَا لَا يُبَاعُ مِنْ الْمَقَاثِي وَالْمَبَاطِخِ إلَّا مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ وَلَا تُبَاعُ الرَّطْبَةُ إلَّا بَعْدَ جَزِّهَا، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ، وَهُوَ بَيْعٌ لِلثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَأَكْثَرُهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَغِيبٍ، كَالْجَزَرِ، وَالْفُجْلِ، وَالْبَصَلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ كَالْبَصَلِ الْمَبِيعِ أَخْضَرَ وَالْلآبِ وَالْفُجْلِ، أَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ فُرُوعَهُ، فَالْأَوْلَى جَوَازُ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ظَاهِرٌ، فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ وَالْحِيطَانَ، وَيَدْخُلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ أُصُولُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَغْلَبَ وَإِنْ تَسَاوَيَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي الْأَقَلِّ التَّابِعِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ: قُلْت لِأَحْمَدَ: بَيْعُ الْجَزَرِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا مَا قُلِعَ مِنْهُ، هَذَا الْغَرَرُ شَيْءٌ لَيْسَ نَرَاهُ كَيْفَ نَشْتَرِيهِ، فَعَلَّلَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ.
فَقَدْ يُقَالُ: إنْ لَمْ يُرَ لَمْ يُبَعْ، وَقَدْ قَالَ: رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ تَكْفِي إذَا دَلَّتْ عَلَى الْبَاقِي، كَرُؤْيَةِ وَجْهِ الْعَبْدِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْمَقَاثِي إذَا بِيعَتْ بِأُصُولِهَا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ غَالِبًا، قَالَ قَوْمُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ أُصُولِ الْخَضْرَاوَاتِ كَبَيْعِ الشَّجَرِ، وَإِذَا بَاعَ الشَّجَرَ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ جَازَ، فَكَذَلِكَ هَذَا وَذُكِرَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ: لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ وَمَنْصُوصُهُ، فَهُوَ إنَّمَا نَهَى عَمَّا يَعْتَادُهُ النَّاسُ، وَلَيْسَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ أَنْ يُبَاعَ دُونَ عُرُوقِهِ، وَالْأَصْلُ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ مَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ جَازَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الثَّمَرَ فَاشْتَرَى الْأَصْلَ مَعَهَا حِيلَةً لَمْ يَجُزْ، وَلِذَلِكَ

الصفحة 23