كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

الْمُزَارَعَةِ وَذَهَبَ جَمِيعُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ الْجَامِعُونَ لِطُرُقِهِ كُلِّهِمْ، كَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ، كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ، وَأَبِي دَاوُد، وَجَمَاهِيرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْخَطَّابِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَعَمَلُ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيَّنُوا مَعَانِيَ الْأَحَادِيثِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ اخْتِلَافُهَا فِي هَذَا الْبَابِ، فَمِنْ ذَلِكَ مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ خَيْبَرَ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ إلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ عَامِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ، أَخْرَجَاهُ وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» ، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ، «لَمَّا اُفْتُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ التَّمْرِ وَالزَّرْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، وَكَانَ الثَّمَرُ عَلَى السَّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ، فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُمُسَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَطْرَ ثَمَرَتِهَا» ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مَأْصِرِ الْكُوفَةِ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى خَيْبَرَ أَهْلَهَا عَلَى نِصْفِ نَخْلِهَا وَأَرْضِهَا» ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّ «مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَكْرَى الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ إلَى يَوْمِك هَذَا» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَطَاوُسٌ كَانَ بِالْيَمَنِ وَأَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ الَّذِينَ بِالْيَمَنِ مِنْ أَعْيَانِ الْمُخَضْرَمِينَ، وَقَوْلُهُ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَيْ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَحُذِفَ الْفِعْلُ لِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مُعَاذًا خَرَجَ مِنْ الْيَمَنِ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَقَدِمَ الشَّامَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَاتَ بِهَا فِي خِلَافَتِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ

الصفحة 58