كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَكْثَرُهَا تَجْرِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَمَالِكٌ قَرِيبٌ مِنْهُ لَكِنَّ أَحْمَدَ أَكْثَرُ تَصْحِيحًا لِلشُّرُوطِ فَلَيْسَ فِي الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرُ تَصْحِيحًا لِلشُّرُوطِ مِنْهُ.
وَعَامَّةُ مَا يُصَحِّحُهُ أَحْمَدُ مِنْ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا تَنْبِيهٌ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ مِنْ أَثَرٍ أَوْ قِيَاسٍ، لَكِنَّهُ لَا يَجْعَلُ حُجَّةَ الْأَوَّلِينَ مَانِعًا مِنْ الصِّحَّةِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ شَرْطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ مِنْ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ مَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَقَالَ بِذَلِكَ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَمَا اعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ فِي إبْطَالِ الشُّرُوطِ مِنْ نَصٍّ فَقَدْ يُضَعِّفُهُ أَوْ يُضَعِّفُ دَلَالَتَهُ، وَكَذَلِكَ قَدْ يُضَعِّفُ مَا اعْتَمَدُوهُ مِنْ قِيَاسٍ، وَقَدْ يَعْتَمِدُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي تَصْحِيحِ الشُّرُوطِ.
كَمَسْأَلَةِ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ مُطْلَقًا، وَمَالِكٌ يُجَوِّزُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُجَوِّزُ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا وَيُجَوِّزُهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فِي الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ.

وَيُجَوِّزُ أَحْمَدُ اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْخَارِجِ مِنْ مِلْكِهِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، وَاشْتِرَاطِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَاهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِذَا كَانَ لَهَا مُقْتَضًى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ وَالْبَعْضُ مِنْهُ بِالشَّرْطِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ، كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ مِمَّا يَجُوزُ اسْتِبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ لَمَّا بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلَهُ وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ.
وَيَجُوزُ أَيْضًا لِلْمُعْتِقِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاةِ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِمَا اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ سَفِينَةَ لَمَّا أَعْتَقَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ، وَجُوِّزَ عَلَى عَامَّةِ أَقْوَالِهِ أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ وَكَمَا فَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ، كَأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَاهَا بِالنِّكَاحِ، إذْ اسْتِثْنَاؤُهَا بِلَا نِكَاحٍ غَيْرُ جَائِزٍ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ،

وَجُوِّزَ أَيْضًا لِلْوَاقِفِ إذَا وَقَفَ شَيْئًا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَنْفَعَةً عَلَيْهِ جَمِيعَهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.
كَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَفِيهِ رُوِيَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ يَجُوزُ وَقْفُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ.

الصفحة 80