كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَيَجُوزُ أَيْضًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَالصَّدَاقِ وَفِدْيَةِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ إخْرَاجِ الْمِلْكِ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِسْقَاطٍ كَالْعِتْقِ أَوْ بِأَمْلَاكٍ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ، وَيُجَوِّزُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي النِّكَاحِ عَامَّةَ الشُّرُوطِ الَّتِي لِلْمُشْتَرِطِ فِيهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ أَوْكَدُ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَنْ يُصَحِّحْ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ

، فَيُجَوِّزُ أَحْمَدُ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِالْإِطْلَاقِ فَتَشْتَرِطُ أَنْ لَا تُسَافِرَ مَعَهُ، وَلَا تَنْتَقِلَ مِنْ دَارِهَا، وَتَزْدَادُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَتَشْرِطُ أَنْ تَكُونَ مُخْلِيَةً بِهِ فَلَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا، وَلَا يَشْتَرِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآخَرِ صِفَةً مَقْصُودَةً كَالْيَسَارِ وَالْجَمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ بِفَوَاتِهِ، وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قَوْلًا بِفَسْخِ النِّكَاحِ وَانْفِسَاخِهِ فَيُجَوِّزُ فَسْخَهُ بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَقَدْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَبِالتَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَةً وَبِالْحَلِفِ فِي الصِّفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّ لَهُ مَالًا وَظَهَرَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ.
وَيَنْفَسِخُ عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الْمُنَافِيَةِ لِمَقْصُودِهِ كَالتَّوْقِيعِ وَاشْتِرَاطِ الطَّلَاقِ، وَهَلْ يَبْطُلُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ، كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّانِيَةُ:
لَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَهُوَ عَقْدٌ مُفْرَدٌ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ تُجَوِّزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ فِي الْمَبِيعِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمَبِيعِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ لَا يُجَوِّزُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقَ، وَقَدْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْهُ لَكِنْ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ فِي كَلَامِهِ، فَفِي جَامِعِ الْخَلَّالِ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ، سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَشَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا تَكُونُ جَارِيَةً نَفِيسَةً يُحِبُّ أَهْلُهَا أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا، وَلَا تَكُونُ لِلْخِدْمَةِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.

وَقَالَ مَرْثَأٌ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً، فَقَالَ لَهُ: إذَا

الصفحة 81