كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرَةً مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ: «اُغْزُوا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ اُغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» الْحَدِيثَ. فَنَهَاهُمْ عَنْ الْغَدْرِ كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ الْغُلُولِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ لَمَّا سَأَلَهُ هِرَقْلُ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: لَا يَغْدِرُ وَنَحْنُ مَعَهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا، قَالَ: وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةً أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَقَالَ هِرَقْلُ فِي جَوَابِهِ: سَأَلْتُك هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْت أَنْ لَا يَغْدِرَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، فَجَعَلَ هَذَا صِفَةً لَازِمَةً.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بَعْدَ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» ، فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الشُّرُوطِ الْوَفَاءُ وَأَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهَا، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ،

الصفحة 87