كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ] [مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ]
ٌ مَسْأَلَةٌ:
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فَسَمَّاهُ هُنَا كَلَامَ اللَّهِ.
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ فَإِنَّ طَائِفَةً مِمَّنْ يَقُولُ بِالْعِبَارَةِ يَدَّعُونَ أَنَّ هَذَا حُجَّةٌ لَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: أَنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَتَقُولُونَ إنَّ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً، وَتَسْمَعُونَهُ مِنْ وَسَائِطَ بِأَصْوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَتَقُولُونَ إنَّ الْقُرْآنَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ.
فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّ هَذَا نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قُلْتُمْ بِالْحُلُولِ، وَأَنْتُمْ تُكَفِّرُونَ الْحُلُولِيَّةَ، وَإِنْ قُلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ قُلْتُمْ بِمَقَالَتِنَا، وَنَحْنُ نَطْلُبُ مِنْكُمْ جَوَابًا نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذِهِ الْآيَةُ حَقٌّ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ، وَلَيْسَتْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ مُعَارِضَةٌ لِلْأُخْرَى بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ لِقَوْلٍ بَاطِلٍ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْآيَتَيْنِ قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ لِقَوْلٍ بَاطِلٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ التَّالِي الْمُبَلِّغِ، وَأَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، كَمَا فِي

الصفحة 5