كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

عَلَى النُّطْقِ وَإِذَا قَالَ: إنْ عَصَيْت أَمْرِي فَأَنْتَ طَالِقٌ ثُمَّ أَمَرَهَا بِشَيْءٍ أَمْرًا مُطْلَقًا فَخَالَفَتْ حَنِثَ وَإِنْ تَرَكَتْهُ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً أَوْ عَاجِزَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّرْكَ لَيْسَ عِصْيَانًا وَإِنْ أَمَرَهَا أَمْرًا بَيَّنَ أَنَّهُ نَدْبٌ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا آمُرُك بِالْخُرُوجِ وَأُبِيحُ لَك الْقُعُودَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِحَمْلِ الْيَمِينِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَالْمَنْدُوبُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ أَمْرًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَمْرًا مُقَيَّدًا وَلَوْ عَلَّقَ عَلَى خُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنٍ طَلُقَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ لِأَنَّ خَرَجَتْ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْعُمُومَ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ: لَا أَخْرُجُ ثُمَّ خَرَجَتْ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُتَوَجَّهُ فِيهَا أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَا يَخْرُجُ الْإِذْنُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إذْنًا لَكِنْ هُوَ إذَا قَالَتْ: لَا أَخْرُجُ فَاطْمَأَنَّ إلَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فَخَرَجَتْ وَلَمْ تُشْعِرُهُ بِالْخُرُوجِ، فَقَدْ خَرَجَتْ بِلَا عِلْمٍ؛ وَالْإِذْنُ عِلْمٌ وَإِبَاحَةٌ.
وَيُقَالُ أَيْضًا: إنَّهَا رَدَّتْ الْإِذْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك إذَا أَرَدْتِ ذَلِكَ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ هَذَا الْبَابَ نَوْعَانِ: تَوْكِيلٌ وَإِبَاحَةٌ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا فَقَالَ لَا أَبِيعُ. إنَّ النَّفْيَ يَرُدُّ الْقَبُولَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْمُوصَيْ إلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ وَإِذَا أَبَاحَهُ شَيْئًا فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ فَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ كَالْخَبَرِ فِي التَّكْرَارِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ لَتَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي وَقْتٍ عَيَّنَهُ فَأَبْرَأَهُ قَبْلَهُ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

[بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ]
ِ وَإِذَا حَلَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَبَانَ مَوْصُوفًا بِغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَتَبَيَّنَ شَيْخًا أَوْ لَا أَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْخَمْرِ فَتَبَيَّنَ خَلًّا أَوْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُحَالِفُهُ إذَا أَكَّدَ عَلَيْهِ وَلَا يُحَنِّثُهُ أَوْ لِكَوْنِ الزَّوْجَةِ قَرِيبَتَهُ وَهُوَ لَا يَخْتَارُ تَطْلِيقَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ غَالِطًا فِي اعْتِقَادِهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَشَبَهُهَا فِيهَا نِزَاعٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ لَقِيَ امْرَأَةً ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ الِاعْتِبَارُ بِمَا قَصَدَهُ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ قَصَدَ مُعَيَّنًا مَوْصُوفًا لَيْسَ هُوَ هَذَا الْعَيْنُ وَكَذَا لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّهُ

الصفحة 500