كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

الْجَدَّ هَاهُنَا إذَا طَلَّقَ فَلَعَلَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ التَّفْرِيطَ فِي الطَّلَاقِ مِنْهُ، وَالْقَوْلُ فِي دَفْعِ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي تَقْدِيمِهِ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قَصِيدَةٍ وَوُجِدَتْ حَافِظَةً لَهَا، وَقَالَتْ تَعَلَّمْتهَا مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ بَلْ مِنِّي إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ وَإِذَا خَلَا بِزَوْجَتِهِ اسْتَقَرَّ الْمَهْرُ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا وَلَوْ كَانَ أَعْمَى نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ قُدِّمَتْ هُنَا الْعَادَةُ عَلَى الْأَصْلِ.

فَكَذَا دَعْوَاهُ الْإِنْفَاقَ فَإِنَّ الْعَادَةَ هُنَاكَ أَقْوَى وَلَوْ أَنْفَقَ الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَكَسَاهَا مُدَّةً ثُمَّ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَدَمَ إذْنِهِ وَأَنَّهَا تَحْتَ حِجْرِهِ لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ تَسَلَّمَهَا التَّسْلِيمَ الشَّرْعِيَّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ وَخَالَفَ فِيهِ شُذُوذٌ مِنْ النَّاسِ وَإِقْرَارُ الْوَلِيِّ لَهَا عِنْدَهُ مَعَ حَاجَتِهَا إلَى النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ إذْنٌ عُرْفِيٌّ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الصُّوَرِ الْمُسْقِطَةِ لِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ صَوْمَ النَّذْرِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ وَالصَّوْمَ لِلْكَفَّارَةِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي إذْنِهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: قَضَاءُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ كَالْمُعَيَّنِ، وَصَوْمُ الْقَضَاءِ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَنْبَغِي فِي جَمِيعِ صُوَرِ الصَّوْمِ أَنْ تَسْقُطَ نَفَقَةُ النَّهَارِ فَقَطْ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا تَنْشِزُ يَوْمًا وَتَجِيءُ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا كَمَا قِيلَ فِي الْإِجَارَةِ إنَّ مَنْعَ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ يُسْقِطُ الْجَمِيعَ إذْ مَا مَضَى مِنْ النَّفَقَةِ لَا يَسْقُطُ وَلَوْ أَطَاعَتْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اسْتَحَقَّتْ وَالزَّوْجَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَرِوَايَتَانِ وَإِذَا لَمْ تُوجِبْ النَّفَقَةَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْحَمْلِ أَوْ فِي مَالِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إذَا قُلْنَا تَجِبُ لِلْحَمْلِ كَمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى تَجِبُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي عِدَّتِهَا وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَقَامُهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنْ خَرَجَتْ فَلَا جُنَاحَ إذَا كَانَ أَصْلَحَ لَهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنُ الْحَامِلُ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا وَلَدٌ فَغَضِبَ الْوَلَدُ، وَذَهَبَتْ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ

الصفحة 518