كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

[كِتَابُ الْجِهَادِ]
ِ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْجِهَادِ بِبَدَنِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِمَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِمَالِهِ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] فَيَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِينَ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ الْجِهَادُ فِي أَمْوَالِهِنَّ إنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ وَكَذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا كَمَا تَجِبُ النَّفَقَاتُ وَالزَّكَاةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي وَاجِبِ الْكِفَايَةِ فَأَمَّا إذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ فَلَا يَبْقَى لِلْخِلَافِ وَجْهٌ فَإِنَّ دَفْعَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْحُرْمَةِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَقُلْت مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى إذْ الْإِمَامُ لَا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قُلْت لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ وَأَوْلَى فَإِنَّ هُنَاكَ نَقْتُلُهُمْ بِفِعْلِنَا وَهُنَا يَمُوتُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ.
وَقُلْت أَيْضًا: إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ

الصفحة 537