كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

إلَى اللَّهِ لَعَمِلْتُهُ فَهُوَ نَذْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] الْآيَةَ.
وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ صَرَفَهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ وَمَنْ أَسْرَجَ بِئْرًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ جَبَلًا أَوْ شَجَرَةً أَوْ نَذَرَ لَهَا أَوْ لِسُكَّانِهَا أَوْ الْمُصَافِّينَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعًا وَيُصْرَفُ فِي
الْمَصَالِحِ
مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهُ وَمِنْ الْجَائِزِ صَرْفُهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ وَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ وَمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلًا يُوقَدُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُرِفَتْ قِيمَتُهُ لِجِيرَانِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَتْمَةِ وَالصَّوَابُ عَلَى أَصْلِنَا أَنْ يُقَالَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ بَلْ وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْجَائِزِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا إذَا وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ فَلَهُ تَعْجِيلُ الصَّوْمِ قَبْلَ الشِّفَاءِ لِوُجُودِ النَّذْرِ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَهُ الِانْتِفَالُ إلَى زَمَنٍ أَفْضَلَ مِنْهُ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ أَوْ صَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فَلَهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِمَنْ نَذَرَ الْحَجَّ مُفْرَدًا أَوْ قَارِنًا أَنْ يَتَمَتَّعَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَتَنَاوَلْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَا أَيَّامَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْفَرْضِ فِيهَا وَعَنْهُ يَتَنَاوَلُهَا فَيَقْضِيهَا وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ وَعَنْهُ يَتَنَاوَلُ أَيَّامَ النَّهْيِ دُونَ أَيَّامِ رَمَضَانَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا صَامَهَا لِأَنَّهُ نَذَرَ صَوْمًا وَاجِبًا وَغَيْرَ وَاجِبٍ بِخِلَافِ أَيَّامِ النَّهْيِ وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُصَحِّحُ نَذْرَ الْوَاجِبِ اسْتِغْنَاءً بِإِيجَابِ الشَّارِعِ وَأَمَّا قَضَاؤُهَا مَعَ صَوْمِهَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّ النَّظَرَ لَمْ يَقْتَضِ صَوْمًا آخَرَ كَمَسْأَلَةِ قُدُومِ زَيْدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَوْ قِيلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا لَوْ نَذْرَ صَوْمَ اللَّيْلِ وَأَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ الْقَضَاءِ مَعَ ذَلِكَ أَوْ بِدُونِهِ لَتَوَجَّهَ وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ أَوْ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ فِيهَا الْوَجْهَ بِالشَّرْعِ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلُ

الصفحة 554