كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

بِبُلُوغِهِ أَوْ لَا يَتَيَقَّنُ فَإِنَّا مَعَ تَيَقُّنِ الشَّكِّ قَدْ تَيَقَّنَّا صُدُورَ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَمْ يُثْبِتْ أَهْلِيَّتَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَقَدْ شَكَكْنَا فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ صُدُورُهُ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ وَحَالِ عَدَمِهَا وَالظَّاهِرُ صُدُورُهُ وَقْتَ الْأَهْلِيَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَالْأَهْلِيَّةُ هُنَا مُتَيَقَّنٌ وُجُودُهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ حَتَّى تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مِثْلُ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَثُبُوتُ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ أَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ لَهُ أَوْ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ لِمُوَلِّيَتِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْبُلُوغِ حِينَئِذٍ أَمْ لَا لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي الظَّاهِرِ قَبْلَ دَعْوَاهُ.
وَأَشَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ إلَى تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رَاجَعَ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجُهَا، فَقَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَشَبِيهٌ أَيْضًا بِمَا ادَّعَى الْمَجْهُولُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا كَاللَّقِيطِ الْكُفْرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمَحْكُومُ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا كَاللَّقِيطِ ثُمَّ ادَّعَى الرِّقَّ فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ لِوَارِثٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ كَالشَّهَادَةِ فَتُرَدَّ فِي حَقِّ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالْأَبِ بِخِلَافِ مَنْ لَا تُرَدُّ ثُمَّ هَذَا هَلْ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَهُ كَالشَّاهِدِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْمُقِرِّ؛ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ مُطْلَقًا بَيْنَ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْعَدْلَ مَعَهُ مِنْ الدِّينِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ وَنَحْوِهِ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَاجِرِ وَلَوْ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ هَذَا تَأَكَّدَ فَإِنَّ فِي قَبُولِ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا فَسَادًا عَظِيمًا.
وَكَذَلِكَ فِي رَدِّهِ مُطْلَقًا وَيُتَوَجَّهُ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ وَإِقْرَارِ الْقَاتِلِ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ أَنْ يَجْعَلَ الْمُقِرَّ كَشَاهِدٍ وَيَحْلِفَ مَعَهُ الْمُدَّعِي فِيمَا ثَبَتَ شَاهِدٌ آخَرُ كَمَا قُلْنَا فِي إقْرَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالنَّسَبِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ

وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ مَالِ السَّيِّدِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الصَّدَاقِ وَإِقْرَارُ سَيِّدِهِ لَهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قِيلَ يَمْلِكُ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ فِي " الْكَافِي ": وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِنِكَاحٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ تَعْزِيرِ قَذْفٍ صَحَّ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْوَلِيُّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا فِي النِّكَاحِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ بِدُونِ إذْنِ

الصفحة 582