كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

وَالْمُتَابَعَةَ غَالِبَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ثَمَّ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَإِ غَيْرُ الرَّسُولِ، لَكِنَّ الشُّيُوخَ الَّذِينَ عُرِفَ صِحَّةُ طَرِيقَتِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَهَذَا قَدْرُ مَا احْتَمَلَتْهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ]
1030 - 6 مَسْأَلَةٌ:
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» فَهَلْ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا يَقُولُهُ الِاتِّحَادِيَّةُ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَوْلُهُ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» مَرْوِيٌّ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ.
كَقَوْلِهِ: «يَقُولُ اللَّهُ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» .
وَفِي لَفْظٍ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» .
وَفِي لَفْظٍ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ وَأَنَا الدَّهْرُ» .
فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ الزَّمَانُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالزَّمَانُ هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَدَلَّ نَفْسُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يُقَلِّبُ الزَّمَانَ وَيُصَرِّفُهُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ

الصفحة 64