كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 6)
الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ مَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ.
وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] . فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِلَهَ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ إلَهٌ غَيْرُهُ فَلَا يُعْبَدُ إلَّا إيَّاهُ كَمَا قَالَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51] وَكَمَا قَالَ: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا} [الإسراء: 22] . إلَى قَوْلِهِ: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39] .
وَكَمَا قَالَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 1 - 3] وَكَمَا قَالَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] .
وَالشِّرْكُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ إنَّمَا هُوَ عِبَادَةُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كَعِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ تَمَاثِيلِهِمْ أَوْ قُبُورِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ فِي هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي التَّوْحِيدِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إشْرَاكًا وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38] .
وَقَالَ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 66] وَقَالَ
الصفحة 564