كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

فَكَانُوا مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إذْ دَانُوا بِدِيَانَةِ الْمَجُوسِ وَتَمَسَّكُوا بِأَقْوَالِهِمْ وَمَالُوا إلَى أَضَالِيلِهِمْ، وَقَنَّطُوا النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَآيَسُوهُمْ مِنْ رَوْحِهِ، وَحَكَمُوا عَلَى الْعُصَاةِ بِالنَّارِ وَالْخُلُودِ خِلَافًا لِقَوْلِ اللَّهِ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا خِلَافًا لِمَا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ:
«إنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ قَوْمًا بَعْدَ مَا امْتُحِشُوا فِيهَا وَصَارُوا حُمَمًا» وَدَفَعُوا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَجْهٌ مَعَ قَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ يَدَانِ مَعَ قَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عَيْنَانِ مَعَ قَوْلِهِ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، وَقَوْلِهِ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] ، وَنَفَوْا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
مِنْ قَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» .
وَأَنَا ذَاكِرٌ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَابًا بَابًا، وَبِهِ الْمَعُونَةُ وَمِنْهُ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْدِيدُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُرْجِئَةِ، فَعَرِّفُونَا قَوْلَكُمْ الَّذِي بِهِ تَقُولُونَ، وَدِيَانَتَكُمْ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ.
قِيلَ لَهُ: قَوْلُنَا الَّذِي بِهِ نَقُولُ، وَدِيَانَتُنَا الَّتِي بِهَا نَدِينُ التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَنَحْنُ بِذَلِكَ مُعْتَصِمُونَ، وَبِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ قَائِلُونَ، وَلِمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ مُجَانِبُونَ، لِأَنَّهُ الْإِمَامُ الْفَاضِلُ وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ الَّذِي أَبَانَ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ عِنْدَ ظُهُورِ الضَّلَالِ وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ وَقَمَعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ وَزَيْغَ الزَّائِغِينَ وَشَكَّ الشَّاكِّينَ، فَرَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ مُقَدَّمٍ وَكَبِيرٍ مُفَهِّمٍ، وَعَلَى جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجُمْلَةُ قَوْلِنَا: أَنَّا نُقِرُّ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
لَا نَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَأَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ لَا إلَهَ غَيْرُهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ

الصفحة 655