كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

وَكَمَا قَالَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] وَهَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ.
وَأَنَّ اللَّهَ وَفَّقَ الْمُؤْمِنِينَ لِطَاعَتِهِ وَلَطَفَ بِهِمْ وَنَظَرَ لَهُمْ وَأَصْلَحَهُمْ وَهَدَاهُمْ وَأَضَلَّ الْكَافِرِينَ وَلَمْ يَهْدِهِمْ وَلَمْ يَلْطُفْ بِهِمْ بِالْإِيمَانِ كَمَا زَعَمَ أَهْلُ الزَّيْغِ وَالطُّغْيَانِ، وَلَوْ لَطَفَ بِهِمْ وَأَصْلَحَهُمْ كَانُوا صَالِحِينَ، وَلَوْ هَدَاهُمْ كَانُوا مُهْتَدِينَ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 178] ، وَأَنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ أَنْ يُصْلِحَ الْكَافِرِينَ وَيَلْطُفَ بِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونُوا كَافِرِينَ كَمَا عَلِمَ وَأَنَّهُ خَذَلَهُمْ وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَأَنَّا نُؤْمِنُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا، وَأَنَّا لَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا نَفْعًا وَلَا ضُرًّا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَّا نُلْجِئُ أُمُورَنَا إلَى اللَّهِ وَنُثْبِتُ الْحَاجَةَ وَالْفَقْرَ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَيْهِ.
وَنَقُولُ: إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ كَانَ كَافِرًا، وَنَدِينُ أَنَّ اللَّهَ يُرَى بِالْأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يُرَى الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا جَاءَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.
وَنَقُولُ: إنَّ الْكَافِرِينَ، إذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ، عَنْهُ مَحْجُوبُونَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، وَأَنَّ مُوسَى سَأَلَ اللَّهَ الرُّؤْيَةَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ اللَّهَ تَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا فَعَلِمَ بِذَلِكَ مُوسَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا.
وَنَرَى أَنْ لَا نُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، كَمَا دَانَتْ بِذَلِكَ الْخَوَارِجُ، وَزَعَمُوا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَافِرُونَ، وَنَقُولُ: إنَّ مَنْ عَمِلَ كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَا أَشْبَهَهَا مُسْتَحِلًّا لَهَا كَانَ كَافِرًا، إذَا كَانَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِتَحْرِيمِهَا.
وَنَقُولُ: إنَّ الْإِسْلَامَ أَوْسَعُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ كُلُّ إسْلَامٍ إيمَانًا وَنَدِينُ بِأَنَّهُ يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ وَأَنَّهُ يَضَعُ السَّمَوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ

الصفحة 657