كتاب الفتح القسي في الفتح القدسي = حروب صلاح الدين وفتح بيت المقدس

وكان السلطان طغرل إذا خلت همذان من قزل ارسلان يعود اليها، ويستولى عليها. ثم إذا عرف قربه بعد، وإذا علم بعده قعد. وشرع يقتل أصحابه بالتهم، ويشتد في النهب لشدة النهم. فقتل فخر الدين رئيس همذان، وبث العدوان. وقتل وزيره العزيز ابن رضى الدين المستوفي لأمر توهمه، ولخاطر لم يكشف مبهمه. فالجأ الزمان إلى الوصول إلى الأمير حسن بن قفجاق، وشكى إليه من أهله وأصحابه الشقاق. فخرج معه وآزره وظافره، وظاهره بعد أن صاهره. وزوج أخته منه، وحمى جانبه وذب عنه.
وراسل سلطاننا قزل اسلان حتى يصافحه على الوفاء ويسامحه وكاد أن يتم
الصلح، ويسفر بعد ليل الفتنة الصبح. فلما تقاربا للمصالحة تحاربا، واتهم كل واحد منهما الآخر فتواثبا. وأوقع تزل ارسلان به وبالتركمان، وعادت الفتن ملتهبة النيران. وساق السلطان طغرل إلى همذان، فمضى وراءه قزل ارسلان، فخرج إليه ثقة بما سبق من الأيمان. فصرف عنانه وقبضه، وأعرض عنه واعتره. وحبسه في بعض القلاع وأبعد عينه وأثره عن الأبصار والأسماع.
فاتسقت له الملكة، واستقر منه السكون والحركة. وكانت أصفهان منذ توفي البهلوان؛ قد اضطربت واحتربت، واقتربت الساعة بها وخرجت. وقتل في ثلاث أربع سنين منها في محاربة العوام الوف، وتوالت بها حتوف وزحوف.
وكانت الشحن من جانب قزل على الشافعية، وقووا أيدي الترابية في تخريب المدرسة النظامية. فأحوجت الضوة إلى أن أصحابنا دعوا بشعار السلطان، ووجدوا القوة به أمام قوته والإمكان. فلما اعتقل طغرل، واستمر أمر قزل؛ مضى إلى اصفهان؛ فأخذ رؤساء الأصحاب في المحال، وأجرى عليهم حكم القتل والاغتيال ثم عاد إلى همذان وقد قوى وروى، ونال ما هوى، ونشر من أمره ما كان طوى، وجلس على سرير الملك وضرب النوب الخمس، ووجد بعدم من يوحشه الأنس، ولها ولعب، وشرب وطرب.
وغفل عن القضاء المشتبه، ونام عن القدر المنبه، واغتر بالعيش الرفه، وحلم عن الخطب السفه. وبات في قصره، وقد غاب في سكره، وهو بين خدمه وحشمه، وعسه وحرسه، وعتقائه وارقائه، ومستخصبه ومستخلصيه، فوجد على فراشه وهو قتيل، ولم يدر كيف قتل ولم يكن عليه سبيل. فنسب قتله إلى الإسماعيلية تارة وإلى الخاتون الاينانجية أخرى، والله أعلم بما به حكمه أجرى.
ولما أصبحوا قتلوا صاحب بابه، وحل العقاب به دون أربابه، وجلس قتلغ اينانج بن بهلوان موضعه، وجمع له ملكه ومنعه، ومضى أخره نصرة الدين أبو بكر إلى
أذربيجان وارانية سائقا إليها واستولى عليها.
وأما السلطان فإنه أيس منه، وسلا من كان يواليه عنه. فتعصبت له امرأة متولي القلعة ودبرت في خلاصه، وهونت على زوجها أمر استصعابه واعتياضه، واستعانت بمن أعانها، وأعلت بإعلاء شأنه شأنها.
ولما برز دخل مدينة تبريز وكأنما الكير أخرج الإبريز. ثم جمع ومضى على سمت همذان. فلقي قتلغ ابنانج وعسكره بين أوه وزنجان فكسره وهزمه، وفل حده وثلمه.

الصفحة 300