كتاب جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد (اسم الجزء: 4)

9718 - بريدةُ رفعهُ: «إنَّ من البيانِ سحرًا، وإنَّ من العلم جهلاً، وإنَّ من الشعر حكمًا، وإنَّ من القول عيلاً»، فقال: صعصعةُ بن صوحان: صدق - صلى الله عليه وسلم -، أما قوله إنَّ من البيانِ سحرًا، فالرجلُ يكونُ عليه الحقُ وهو ألحنُ بحجتهِ من خصمهِ فيقلبُ الحقَ ببيانهِ إلى نفسهِ؛ لأنَّ معنى السحرِ قلبُ الشيءِ في عينِ الإِنسانِ، وليس بقلبِ الأعيانِ، ألا ترى أنَّ البليغَ يمدحُ إنسانًا حتى يصرف قلوبَ السامعين إلى حبِّ الممدوح، ثمَّ يُذمُّهُ حتى يصرفها إلى بعضه، وأما قولهُ إنَّ من العلم جهلاً، فهو تكلَّفُ ما لا يعلمُ الرجلُ فيُجهلُهُ ذلك عند غيرهِ، وأمَّا قولهُ: إنَّ من الشعرِ حكمًا، فهي هذه المواعظُ والأمثالُ التي يتعظُ الإنسانُ بها، وأمَّا قولهُ: إنَّ من القول عيلاً: فعرضك كلامك وحديثك على من لا يريدُهُ، وعلى من ليس من شأنه، وقد نهى عن ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: لا تحدثُوا الناسِ بما لا يعلمونَ، وبقولهِ لا تعطُوا الحكمة غير أهلها فتظلمُوها، ولا تمنعُوها أهلها فتظلموهم، وقد ضرب لذلك مثلاً، إنه كتعليق اللآلئ في أعناق الخنازير (¬1). لأبي داود.
¬_________
(¬1) أبو داود (5012) وقال الألباني ضعيف (1066) وصححه في "الصحيحة" (1731) من حديث ابن عباس بلفظ إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكمًا أبو داود قبل هذا الحديث وقد نقل المصنف تفسير صعصعة بن صوحان بمعناه وزاد عليه.
9719 - عياضُ بن حمار أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبتهِ: «ألا إنَّ ربي أمرني أن أعلمكُم ما جهلتمُ مما علمني يومي هذا كل ما نحلتُهُ عبدًا حلالاً، وإني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلهم، وإنهم أتتهم الشياطينُ فاجتالتهُم في دينهم، وحرمتُ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يشركُوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتابِ، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلتُ إليك كتابًا لا يغسلُهُ الماءُ، تقرؤُه نائمًا ويقظانًا، وإنَّ الله أمرني أن أحرق قريشًا، فقلتُ: ربي إذا [يثلغوا] (¬1) رأسي فيدُعوه خبزهُ، قال: استخرجهم كما أخرجوكَ، واغزهم نُعنك، وأنفق فسننفق عليكَ، وابعث جيشًا نبعث خمسةَ مثله، واتل بمن أطاعكَ من عصاكَ، قالَ وأهلُ الجنةِ ثلاثةٌ: ذو سلطانٍ مقسطٍ متصدقٍ (موفقٍ) (¬2)، ورجلٌ رحيمٌ رقيق القلبِ لكلِ ذي قربى ومسلمٌ، وعفيفٌ متعففٌ ذو عيالٍ، وأهل النارِ خمسةٌ: الضعيفُ الذي لا [زبر] (¬3) له الذين هم
-[145]- فيكم تبعٌ لا يتبعون أهلاً ولا مالاً، والخائنُ الذي لا يخفى له طمعٌ وإن دقَّ إلا خانهُ، ورجلٌ لا يصبحُ ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل والكذب، والشنظير الفحاش» (¬4). لمسلم.
¬_________
(¬1) في "الأصل": يلتفوا. وفي "ب": يتلفوا. والمثبت من صحيح مسلم. الثلغ: الشدخ، وقيل هو ضربك الشيء الرطب بالشيء الرطب بالشيء اليابس حتى ينشدخ. "النهاية" (شدخ).
(¬2) في "ب": موقن.
(¬3) أي: لا عقل له يزبره وينهاه عما لا ينبغي "النهاية" (زبر).
(¬4) مسلم (2865).

الصفحة 144