كتاب جامع الأصول (اسم الجزء: 2)

حرف التاء
وفيه سبعة كتب
كتاب التفسير، كتاب تلاوة القرآن، كتاب ترتيب القرآن، كتاب التوبة، كتاب التعبير، كتاب التفليس، كتاب تمني الموت
الكتاب الأول: في تفسير القرآن، وأسباب نزوله
وهو على نَظْم سور القرآن
469 - (ت د) - جُندب بن عبد الله - رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ الله - عز وجل - برأْيهِ فأصابَ، فقد أَخطأَ» .
أخرجه الترمذي وأبو داود، وزاد رزين زيادة لم أجدْها في الأُصول، «ومن قالَ بِرأْيِهِ فأَخطأ، فقَد كَفَرَ» . (¬1) -[4]-
S (مَن قَالَ فِي كِتَابِ اللهِ بِرَأْيِهِ) [النهي عن تفسير القرآن بالرأي] لا يخلو: إِمَّا أن يكون المراد به: الاقتصار على النقل والمسموع، وترك الاستنباط، أو المراد به: أمر آخر، وباطل أَنْ يكونَ المراد به: أن لا يتكلَّم أحد في القرآن إلا بما سمعه، فإنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سَمعوهُ من النبي صلى الله عليه وسلم وإنَّ النَّبيَّ دعا لابن عباس فقال: «اللهم فقهه في الدِّين وعلِّمهُ التأويل» فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل، فما فائدة تخصيصه بذلك؟.
وإنما النهي يحمل على أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميْل من طبعه وهواه، فيتأوَّل القرآن على وفْقِ رأيه وهواه، ليحتجَّ على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.
وهذا النوع يكون تارة مع العلم، كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أنْ ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يُلَبِّسُ على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملة، فيميل فهمُه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويترجَّحُ ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسَّرَ برأيه، أي رأيُه هو الذي حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح -[5]- عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح، فيطلب له دليلاً من القرآن، ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، كمَن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي، فيقول: قال الله تعالى: {اذهبْ إلى فرعوْنَ إنهُ طغَى} ويشيرُ إلى قلبه، ويومئُ إلى أنه المراد بفرعون.
وهذا الجنس قد استعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة، تحسيناً للكلام، وترغيباً للمستمع، وهو ممنوع.
وقد استعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة، لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فَيُنَزِّلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم، على أمور يعلمون قطعاً: أنها غير مرادة به.
فهذه الفنون: أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.
والوجه الثاني: أن يسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار، والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، فمن لم يُحكم ظاهر التفسير، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية، كَثُر غلطه، ودخل في زمرة مَنْ فسَّر القرآن بالرأي.
فالنقل والسماع لابد منه في ظاهر التفسير أولاً، ليتقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسعُ التفهم والاستنباط، والغرائب التي لا تُفهم إلا -[6]- بالسماع كثيرة، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ألا ترى أن قوله تعالى: {وآتينا ثمودَ النَّاقةَ مبصرةً فظلموا بها} معناه: آية مبْصرة فظلموا بها أنفسهم بقتلها، فالناظر إلى ظاهر العربية، يظن أن المراد به: أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء، ولا يدري بماذا ظلموا، وأنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم، فهذا من الحذف والإضمار، وأمثال هذا في القرآن كثير، وما عدا هذين الوجهين، فلا يتطرق النهي إليه، والله أعلم.
¬__________
(¬1) الترمذي رقم (2953) في التفسير، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، وأبو داود رقم (3652) في العلم، باب الكلام في كتاب الله بغير علم، وأخرجه الطبري في " جامع البيان " رقم (80) ، وفي سنده سهيل بن أبي حزم لا يحتج به، ضعفه البخاري وأحمد وأبو حاتم.
Mأخرجه أبو داود (3652) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق المقرىء الحضرمي. والترمذي (2952) قال: حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا حبان بن هلال. والنسائي في «فضائل القرآن» (111) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام، عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي.
كلاهما -يعقوب، وحبان- عن سهيل بن مهران القطعي، عن أبي عمران، فذكره.
وزيادة رزين تأثر عن أبي بكر - رضي الله عنه -.

الصفحة 3