كتاب جامع الأصول (اسم الجزء: 2)

496 - (ت د) أسلم أبو عمران - رحمه الله - قال: «كُنَّا بمدينةِ الرُّوم، فأخرجوا إلينا صَفًّا عظيماً من الرومِ، فَخَرَجَ إليهم مِِن المسلمينَ مِثْلُهم أو أكثرُ، وعلى أهلِ مِصرَ: عُقْبةُ بن عامرٍ، وعلى الجماعة (¬1) : فضالة بن عبيد، فحملَ رجل من المسلمين على صفِّ الرُّوم، حتَّى دخل فِيهم، فصاحَ النَّاسُ، وقالوا: سُبْحانَ الله! يُلْقِي بِيَدِيهِ إِلى التهْلُكةِ؟! فقام أبو أيُّوب الأنصاري، فقال: يا أيها النَّاس، إنكم لتؤوِّلونَ هذه الآية هذا التأويلَ؟! وإنما نزَلتْ هذه الآية فينا -معشر الأنصار -: لما أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً - دون رسول الله صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أموالنا قد ضاعت، وإن اللَّهَ قد أعز الإسلامَ، وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله -تبارك وتعالى- على نبيه، يردُّ علينا ما قلنا: {وأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بأيديكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ} وكانت التهلكة: الإقامة على الأموال وإصلاحها، وترْكنا الغزوَ، فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله، حتى دفن بأرض الرُّومِ» . هذه رواية الترمذي. -[32]-
وفي رواية أبي داود قال: «غزونا من المدينةِ نريدُ القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمنِ بنُ خالد بن الوليد (¬2) ، والرومُ مُلْصقُو ظهورهمْ بحائط المدينة، فحملَ رجلٌ على العدوِّ، فقال الناس - مَهْ مَهْ، لا إله إلا الله يُلْقي بيديه إلى التَّهْلُكَةِ! فقال أبو أيوب: إنما أنزلت هذه الآية فينا -معشر الأنصار -لما نصر الله نبيَّه، وأظهر الإسلام، قُلْنا، هَلُمَّ نُقيم في أموالنا ونُصْلِحُها، فأنزل الله عزَّ وجلَّ {وأَنْفِقُوا فِي سبيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بأيديكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ} فالإلقاءُ بالأيدي إلى التَّهْلُكَةِ: أنْ نقيمَ في أموالنا ونصْلِحَها، وندعَ الجهادَ، قال أبو عمران: فلم يزلْ أبو أيوب يجاهدُ في سبيلِ الله حتى دُفنَ بالقُسطنطينية» (¬3) . -[33]-
S (شاخِصاً) : شخَص الرجل من بلد إلى بلد: إذا انتقل إليه، والمراد به: لم يزل مُسَافراً.
¬__________
(¬1) رواية الطيالسي وابن عبد الحكم والحاكم: وعلى الشام، وهو الصواب إن شاء الله.
(¬2) قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: هذا يدل على أن هذه الغزوة كانت في سنة 46 أو قبلها، لأن عبد الرحمن مات تلك السنة، وهذه الغزوة غير الغزوة المشهورة التي مات فيها أبو أيوب الأنصاري وقد غزاها يزيد بن معاوية بعد ذلك سنة 49 ومعه جماعات من سادات الصحابة، ثم غزاها يزيد سنة 52 وهي التي مات فيها أبو أيوب رضي الله عنه وأوصى إلى يزيد أن يحملوه إذا مات ويدخلوه أرض العدو ويدفنوه تحت أقدامهم حيث يلقون العدو، ففعل يزيد ما أوصى به أبو أيوب، وقبره هناك إلى الآن معروف، انظر " طبقات ابن سعد " 3 / 2 / 49، 50، " تاريخ الطبري " 6 / 128، 130 و " تاريخ ابن كثير " 8 / 30، 31، 32، 58، 59، و " تاريخ الإسلام " للذهبي 2 / 231، 327، 328.

(¬3) الترمذي رقم (2976) في التفسير، باب ومن سورة البقرة، وأبو داود رقم (2512) في الجهاد، باب في قول الله عز وجل {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه ابن جرير رقم (3179) و (3180) ، وأبو داود الطيالسي في مسنده 2 / 12، 13، وابن عبد الحكم في فتوح مصر: 269، 270 والحاكم 2 / 275 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
M1- أخرجه أبو داود (2512) قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن حيوة بن شريح، وابن لهيعة.
2- وأخرجه الترمذي (2972) قال: حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا الضحاك بن مخلد. والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (3452) عن عبيد الله بن سعيد، عن أبي عاصم، (ح) وعن محمد بن حاتم بن نعيم، عن حبان بن موسى، عن ابن المبارك كلاهما -الضحاك أبو عاصم، وابن المبارك- عن حيوة بن شريح.
كلاهما -حيوة، وابن لهيعة- عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران فذكره.
في رواية أبي داود قال: وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بدلا من فضالة بن عبيد.

الصفحة 31